الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ ظَالِمِيۤ أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي ٱلأَرْضِ قَالْوۤاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ ٱللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَـٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَآءَتْ مَصِيراً } * { إِلاَّ ٱلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَآءِ وَٱلْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً } * { فَأُوْلَـٰئِكَ عَسَى ٱللَّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ ٱللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً } * { وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي ٱلأَرْضِ مُرَٰغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ ٱلْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلىَ ٱللَّهِ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً }

روى البخاري عن ابن عباس أن ناساً من المسلمين كانوا مع المشركين يكثرون سواد المشركين على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأتي السهم يرمى به فيصيب أحدهم فيقتله أو يضرب فيقتل فأنزل الله { إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ ظَالِمِيۤ أَنْفُسِهِمْ } وأخرجه ابن مردويه وسمى منهم في روايته قيس بن الوليد بن المغيرة، وأبا القيس ابن الفاكه بن المغيرة والوليد بن عتبة بن ربيعة وعمرو بن أمية بن سفيان وعلي بن أمية بن خلف. وذكر في شأنهم إنهم خرجوا إلى بدر فلما رأوا قلة المسلمين دخلهم شك وقالوا: " غر هؤلاء دينهم " فقتلوا ببدر. وأخرجه ابن أبي حاتم وزاد منهم الحارث بن زمعة بن أسود والعاص بن منبه بن الحجاج. وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال كان قوم بمكة قد أسلموا فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم كرهوا أن يهاجروا وخافوا فأنزل الله { إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ ظَالِمِيۤ أَنْفُسِهِمْ } - إلى قوله - { إِلاَّ ٱلْمُسْتَضْعَفِينَ }.

وأخرج ابن المنذر وابن جرير عن ابن عباس قال كان قوم من أهل مكة قد أسلموا وكانوا يخفون الإسلام فأخرجهم المشركون معهم يوم بدر فأصيب بعضهم فقال المسلمون هؤلاء كانوا مسلمين فأكرهوا فاستغفروا لهم، فنزلت الآية فكتبوا بها إلى من بقي بمكة منهم وأنه لا عذر لهم فخرجوا فلحق بهم المشركون ففتنوهم فرجعوا فنزلتوَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يِقُولُ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ فَإِذَآ أُوذِيَ فِي ٱللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ ٱلنَّاسِ كَعَذَابِ ٱللَّهِ } [العنكبوت: 10] فكتب إليهم المسلمون بذلك فتحزنوا فنزلتثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُواْ مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ } [النحل: 110] الآية فكتبوا إليهم بذلك فخرجوا فلحقوهم فنجا من نجا وقتل من قتل. وأخرج ابن جرير من طرق كثيرة نحوه. اهـ. من لباب النقول.

أقول: هذه الآيات في الهجرة نزلت في سياق أحكام القتال لأن بلاد العرب كانت في ذلك العهد قسمين دار هجرة المسلمين ومأمنهم ودار الشرك والحرب. وكان غير المسلم في دار السلام حراً في دينه لا يفتن عنه وحراً في نفسه لا يمنع إن يسافر حيث شاء. وأما المسلم في دار الشرك فكان مضطهداً في دينه يفتن ويعذب لأجله ويمنع من الهجرة إن كان مستضعفاً لا قوة له ولا أولياء يحمونه، وكانت الهجرة لأجل هذا واجبة على كل من يسلم ليكون حراً في دينه آمناً في نفسه، وليكون ولياً ونصيراً للنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين الذين كان الكفار يهاجمونهم المرة بعد المرة، وليتلقى أحكام الدين عند نزولها.

وكان كثير منهم يكتم إيمانه ويخفي إسلامه ليتمكن من الهجرة. وفي مثل هذه الحال ينقسم الناس بالطبع إلى أقسام منهم من ذكرنا ومنهم القوي الشجاع الذي يظهر إيمانه وهجرته وإن عرض نفسه للمقاومة، ومنهم من يؤثر البقاء في وطنه بين أهله لأنه لضعف إيمانه يؤثر مصلحة الدنيا التي هو فيها على الدين، ومنهم الضعيف المستضعف الذي لا يقدر على التفلت من مراقبة المشركين وظلمهم ولا يدري آية حيلة يعمل ولا أي طريق يسلك.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7