الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ مَّن يَشْفَعْ شَفَٰعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا وَمَن يَشْفَعْ شَفَٰعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتاً } * { وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَآ أَوْ رُدُّوهَآ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً } * { ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ ٱللَّهِ حَدِيثاً }

الشفاعة من الشفع وهو مقابل الوتر أي الفرد. قال الراغب: الشفع ضم الشيء إلى مثله، والشفاعة الانضمام إلى آخر ناصراً له وسائلاً عنه. والذي يناسب السياق واتصال الآية بما قبلها من الآيات إن معنى قوله تعالى: { مَّن يَشْفَعْ شَفَٰعَةً حَسَنَةً } من يجعل نفسه شفعاً لك وقد أمرت بالقتال وتراً؛ وهي الشفاعة الحسنة لأنها نصر للحق وتأييد له - ومثل ذلك كل من ينضم إلى أي محسن ويشفعه { يَكُنْ لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا } أي من شفاعته هذه بما يناله من الفوز والشرف والغنيمة في الدنيا عندما ينتصر الحق على الباطل، وبما يكون له من الثواب في الآخرة سواء أدرك النصر في الدنيا أم لم يدركه.

والنصيب الحظ المنصوب أي المعين كما قال الراغب: { وَمَن يَشْفَعْ شَفَٰعَةً سَيِّئَةً } بأن ينضم إلى عدوك فيقاتل معه، أو يخذل المؤمنين عن قتاله وهذه هي الشفاعة السيئة، ومثلها كل إعانة على السيئات { يَكُنْ لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا } أي نصيب من سوء عاقبتها وهو ما يناله من الخذلان في الدنيا والعقاب في الآخرة.

فالكفل بمعنى النصيب المكفول للشافع لأنه أثر عمله، أو المحدود لأنه على قدره، أو الذي يجيء من الوراء، وهو على هذا مشتق من كفل البعير وهو عجزه، أو مستعار من المركب الذي يسمى كفلاً (بالكسر) قال في لسان العرب. والكفل من مراكب الرجال وهو كساء يؤخذ فيعقد طرفاه ثم يلقى مقدمه على الكاهل ومؤخره مما يلي العجز (أي الكفل بفتح الكاف والفاء) وقيل هو شيء مستدير يتخذ من خرق أو غير ذلك ويوضع على سنام البعير.

وفي حديث أبي رافع قال: " ذلك كفل الشيطان " يعني مقعده. ثم قال والكفل ما يحفظ الراكب من خلفه والكفل النصيب مأخوذ من هذا. اهـ. كأنه أراد الانتفاع من ناحية الكفل والمؤخر.

والراغب ذهب إلى القول الأول وفاقاً لابن جرير. قال إنه مستعار من الكفل (بالكسر) وهو الشيء الرديء، واشتقاقه من الكفل، وهو أن الكفل لما كان مركباً ينبو براكبه صار متعارفاً في كل شدة كالسيساء وهو العظم الناتئ من ظهر الحمار فيقال لأحملنك على الكفل وعلى السيساء. ثم قال ومعنى الآية من ينضم إلى غيره معيناً له في فعلة حسنة يكن له منها نصيب، ومن ينضمّ إلى غيره معيناً له في فعلة سيئة يناله منها شدة. وقيل الكفل الكفيل ونبه على إن من تحرى شراً فله من فعله كفيل يسأله، كما قيل من ظلم فقد أقام كفيلاً بظلمه، تنبيهاً إلى أنه لا يمكنه التخلص من عقوبته اهـ.

وفسر الآية بنحو ما ذكرنا شيخ المفسرين ابن جرير الطبري ولكنه جعل الشفاعة لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ونحن جعلناها له صلى الله عليه وسلم لأنه أمر أولاً بالقتال وحده فكأن كل من يتصدى للقتال معه قد تصدى لأن يجعل نفسه معه شفيعاً.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10