الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ مَّنْ يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ ٱللَّهَ وَمَن تَوَلَّىٰ فَمَآ أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً } * { وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُواْ مِنْ عِندِكَ بَيَّتَ طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ غَيْرَ ٱلَّذِي تَقُولُ وَٱللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلاً } * { أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ ٱللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ ٱخْتِلاَفاً كَثِيراً }

هذه الآيات متصلة بما قبلها مسايرة لها فقد تقدم أن من أصول هذه الشريعة طاعة الله وطاعة الرسول وقد أمر بهما معاً أمراً عاماً وبين جزاء المطيع وأحوال الناس في هذه الطاعة بحسب قوة الإيمان وضعفه والصدق فيه والنفاق. ثم أمر بالقتال، وبين مراتب الناس في الامتثال، وبعد هذا ذكر المؤمنين بأمر الطاعة وكونها لله تعالى بالذات، ولغيره بالتبع، وبين ضرباً من ضروب مراوغة أولئك الضعفاء أو المنافقين فيها فقال.

{ مَّنْ يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ ٱللَّهَ } أي إن الرسول هو رسول الله فما يأمر به من حيث هو رسول فهو من الله وهو العبادات والفضائل والأعمال العامة والخاصة التي تحفظ بها الحقوق وتدرء المفاسد وتحفظ المصالح فمن أطاعه في ذلك لأنه مبلغ له عن الله عز وجل فقد أطاع الله بذلك، لأن الله تعالى لا يأمر الناس وينهاهم إلا بواسطة رسل منهم يفهمون عنهم ما يوحيه الله إليهم ليبلغوه عنه.

وأما ما يقوله الرسول من عند نفسه وما يأمر به مما يستحسنه باجتهاده ورأيه من الأمور الدنيوية والعادات كمسألة تأبير النخل ومما يسميه العلماء أمر الإرشاد فطاعته فيه ليست من الفرائض التي فرضها الله تعالى لأنه ليس ديناً ولا شرعاً عنه تعالى.

وإنما تكون من كمال الأدب وقدوة الحب، مثاله أمر نبينا صلى الله عليه وسلم بكيل الطعام كالقمح وغيره من الحبوب أي عند اتخاذه وعند إرادة طبخه وهو من التقدير والتدبير في البيوت وأكثر المسلمين يتركونه إلا من يتبع طرق المدنية الحديثة في الاقتصاد وتدبير المنزل، ومن هذا الباب ما لا يظهر له مثل هذه الفائدة وإنما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يذكره بطريق الاستحسان لمناسبة تتعلق بالمخاطبين كالأمر بأكل الزيت والادهان به والأمر بأكل البلح بالتمر، فهو ما كان يقول مثل هذا باسم الرسالة والتبليغ عن الله عز وجل، وكان الصحابة رضي الله تعالى عنهم إذا شكوا في الأمر هل هو عن الله تعالى أو من رأي الرسول صلى الله عليه وسلم واجتهاده وكان لهم رأي آخر سألوه فإن أجابهم بأنه من الله أطاعوه بغير تردد وإن قال إنه من رأيه ذكروا رأيهم وربما رجع صلى الله عليه وسلم عن رأيه إلى رأيهم كما فعل في بدر وأحد.

فالآية تدل على أن الله تعالى هو الذي يطاع لذاته لأنه رب الناس وإلههم وملكهم وهم عبيده المغمورون بنعمه وإن رسله إنما تجب طاعتهم فيما يبلغونه عنه من حيث إنهم رسله لا لذاتهم، ومثال ذلك الحكم تجب طاعته في تنفيذ شريعة المملكة وقوانينها وهو ما يعبرون عنه بالأوامر الرسمية ولا تجب فيما عدا ذلك.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد