الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يَشْرُونَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا بِٱلآخِرَةِ وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً } * { وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَآءِ وَٱلْوِلْدَٰنِ ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةِ ٱلظَّالِمِ أَهْلُهَا وَٱجْعَلْ لَّنَا مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً وَٱجْعَلْ لَّنَا مِن لَّدُنْكَ نَصِيراً } * { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱلطَّٰغُوتِ فَقَٰتِلُوۤاْ أَوْلِيَاءَ ٱلشَّيْطَٰنِ إِنَّ كَيْدَ ٱلشَّيْطَٰنِ كَانَ ضَعِيفاً }

أمر الله تعالى عباده المؤمنين بأخذ الحذر من أعداء الدعوة الإسلامية وأهلها بالاستعداد التام للحرب، وبالنفر وكيفية تعبئة الجيش وسوقه، وذكر حال المبطئين عن القتال، وكونها لا تتفق مع ما يجب أن يكون عليه أهل الإيمان، ثم أمر بالقتال المشروع يرغب فيه المؤمنين الذين يؤثرون ما عند الله تعالى في دار الجزاء على الكسب والغنيمة وعلى الفخر بالقوة والغلب فقال.

{ فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يَشْرُونَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا بِٱلآخِرَةِ } قال الأستاذ الإمام: بين الله تعالى حال ضعفاء الإيمان الذين يبطئون عن القتال في سبيله ثم دلهم بهذه الآية على طريق تطهير نفوسهم من ذلك الذنب العظيم ذنب القعود عن القتال ولو عملوا كل صالح وضعفت نفوسهم عن القتال لما كان ذلك مكفراً لخطيئتهم، وسبيل الله هي طريق الحق والانتصار له فمنه إعلاء كلمة الله ونشر دعوة الإسلام، ومنه دفاع الأعداء إذا هددوا أمتنا، أو أغاروا على أرضنا، أو نهبوا أموالنا، أو صادرونا في تجارتنا، وصدونا عن استعمال حقوقنا مع الناس فسبيل الله عبارة عن تأييد الحق الذي قره ويدخل فيه كل ما ذكرناه.

ويشرون بمعنى يبيعون قولاً واحداً بلا احتمال، واستعمال القرآن فيه مطرد ففي سورة يوسفوَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ } [يوسف: 20] أي باعوه وقال تعالى:وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنْفُسَهُمْ } [البقرة: 102] أي باعوها وقالوَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِ ٱللَّهِ } [البقرة: 207] أي يبيعها، والباء في صيغة البيع تدخل على الثمن دائماً، فالمعنى أن من أراد أن يبيع الحياة الدنيا ويبذلها ويجعل الآخرة ثمناً لها وبدلاً عنها فليقاتل في سبيل الله.

أقول إن المفسرين ذكروا في (يشرون) وجهين أحدهما أنه بمعنى البيع كما اختار الأستاذ الإمام والثاني أنه بمعنى الابتياع الذي يطلق عليه في عرفنا الآن الشراء.

وقد قال المفسرون إن شرى يشري يستعمل بمعنى باع وبمعنى ابتاع وإن اللفظ في الآية يحتمل المعنيين فإن أريد به البيع فهو للمؤمنين الصادقين الكاملين وإن أريد به الابتياع فهو لأولئك المبطئين ليتوبوا.

وذهب الراغب إلى أن الشراء والبيع إنما يستعملان بمعنى واحد في التعبير عن استبدال سلعة بسلعة دون استبدال سلعة بدراهم. والقرآن استعمل لفظ شرى يشري بمعنى باع يبيع، واشترى يشتري بمعنى ابتاع يبتاع، فهذا هو الصحيح أو الفصيح وإن ورد عن أهل اللغة " شريت برداً " بمعنى اشتريته في الشعر بدون ذكر الثمن. وقد يذكر الثمن أو البدل وقد يسكت عنه وهو ما تدخل عليه الباء دائماً سواء استعمل الشراء والبيع في الحسيات أو المعنويات.

{ وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً } أي ومتى كان القتال في سبيل الله لا لأجل الحمية والحظوظ الدنيوية فكل من قتل بظفر عدوه به ففاته الانتفاع بالقتال في الدنيا فإن الله تعالى يعطيه في الآخرة أجراً عظيماً بدلاً مما فاته.

السابقالتالي
2 3 4