الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ فَٱنفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ ٱنْفِرُواْ جَمِيعاً } * { وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَٰبَتْكُمْ مُّصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَّعَهُمْ شَهِيداً } * { وَلَئِنْ أَصَٰبَكُمْ فَضْلٌ مِنَ الله لَيَقُولَنَّ كَأَن لَّمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يٰلَيتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً }

الأستاذ الإمام: الكلام من أول السورة إلى قوله تعالى:وَٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً } [النساء: 36] في موضوع خاص وهو ما يكون بين الأهل والأقارب والأزواج واليتامى من المعاملات المالية والمصاهرة والإرث. والآيات من قوله: { وَٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ } الآية إلى هنا في مطالبة المؤمنين بالإخلاص في العبادة وحسن المعاملة بين الأقربين واليتامى والمساكين والجيران والأصحاب والأرقاء وسائر الناس، وأحكام بعض العبادات وبيان ما فيها من تثبيت النفس على الصدق في المعاملة، وضرب لهم فيها مثل اليهود الذين كان لهم كتاب يهتدون به ونهاهم أن يكونوا مثلهم وعلمهم كيف يعملون بأمرهم برد الأمانات إلى أهلها والحكم بالعدل وطاعة الله ورسوله وأولي الأمر منهم وردّ ما يتنازعون فيه إلى الله ورسوله.

وأكد أمر طاعة الرسول وبين حال المنافقين الذين يريدون التحاكم إلى الطاغوت، ولا شك أن المسلمين إذا عملوا بهذه الأحكام صلح حالهم فيما بينهم واستقامت أمورهم وصاروا متحدين متعاونين على الأعمال النافعة وحفظ الجامعة ووثق بعضهم ببعض في التعاون على مصالحهم والدفاع عن حقيقتهم، فالغرض من هذه الوصايا انتظام شمل المسلمين وصلاح أمورهم الخاصة والعامة.

بعد بيان هذا أراد الله تعالى أن يوجه المسلمين إلى أمر آخر يلي اجتماعهم على عقيدة واحدة ومصلحة واحدة وانتظام شؤونهم وصلاح حالهم وهو ما يتم لهم به الأمن وحسن الحال بالنسبة إلى غيرهم. وذلك أنه كان للمسلمين عند التنزيل أعداء يناصبونهم ويفتنونهم في دينهم، والإنسان لا يتم له نظام في معيشته ولا هناء ولا راحة إلا بالأمنين كليهما الأمن الداخلي والأمن الخارجي، فلما أرشدنا الله إلى ما به أمننا الداخلي أرشدنا إلى ما به أمننا مع الخارجين عنا المخالفين لنا في ديننا، وذلك إما بمعاهدات تكون بيننا وبينهم نطمئن بها على ديننا وأنفسنا ومصالحنا وإما باتقاء شرهم بالقوة، وهذه الآيات في بيان ذلك وهي كثيرة كما يأتي.

أقول: كان الأظهر عندي أن يقال إن الله تعالى بين لنا أصل الحكومة الإسلامية في آية الأمانات والعدل، وقوله:يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلأَمْرِ مِنْكُمْ } [النساء: 59] إلخ وكان قد بين لنا في هذه السورة كثيراً من مهمات الأحكام الدينية والشخصية والمدنية (كما يقال في عرف هذا العصر) ثم شدد النكير على من يرغب عن حكم الرسول إلى حكم غيره من أهل الطغيان، بعد هذا كله شرع يبين لنا بعض الأحكام الحربية والسياسية ويبين لنا الطريق الذي نسير عليه في حفظ ملتنا وحكومتنا المبنية على تلك الأصول المحكمة الحكيمة من الأعداء الذين يعتدون علينا فقال.

{ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ } قال الراغب: الحذر (بالتحريك) احتراز عن مخيف وقال عز وجل خذوا حذركم أي ما فيه الحذَر من السلاح وغيره.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7