الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ فَأُوْلَـٰئِكَ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّينَ وَٱلصِّدِّيقِينَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَٱلصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـٰئِكَ رَفِيقاً } * { ذٰلِكَ ٱلْفَضْلُ مِنَ ٱللَّهِ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ عَلِيماً }

الصراط المستقيم في الآية السابقة هو الصراط الذي سار عليه عباد الله المصطفون الأخيار الذين أنعم الله عليهم بمعرفة الحق واتباعه وعمل الخيرات واجتناب الفواحش والمنكرات وهم الأصناف الأربعة في قوله تعالى: { وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ } إلخ وكان الظاهر بادي الرأي أن يقال: ولهديناهم صراطاً مستقيماً، صراط أولئك الذين أنعم الله عليهم. أو فكانوا مع الذين أنعم الله عليهم، أو ما هو بهذا المعنى.

ولكن أعيد ذكر طاعة الله ورسوله لأنه هو الأصل المراد في السياق الذي تكون سعادة صحبة من أنعم الله عليهم جزاء له. أي إن كل من يطيع الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم على الوجه المبين في الآيات من قوله:يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ } [النساء: 59] - إلى قوله -وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً } [النساء: 68].

{ فَأُوْلَـٰئِكَ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّينَ وَٱلصِّدِّيقِينَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَٱلصَّالِحِينَ } وما قيل من أن الطاعة تصدق بامتثال أمر واحد مرة واحدة وما يبنى عليه من الجواب هو مما اعتادوه من اختراع الإيرادات والأجوبة عنها وإن كان السياق يأباها فهذه الطاعة هي التي يدخل فيها إيثار حكم الله ورسوله على حكم الطاغوت من أهل الأهواء، وهي التي علمنا بها أن العمل من أركان الإيمان الصحيح أو شرط له لتوقفه على الإذعان في الظاهر والباطن لحكم الله ورسوله بحيث لا يكون في نفس المؤمن حرج منه ويسلم له تسليماً، ويدخل في ذلك امتثال أمر الله ورسوله ولو في تعريض النفس للقتل والخروج من الديار والأوطان.

ذهب بعض المفسرين إلى أن الصديقين والشهداء والصالحين أوصاف متداخلة لموصوف واحد فالمؤمنون الكاملون فريقان الأنبياء والمتصفون بالصفات الثلاثة وهذا وجه ضعيف. والصواب المغايرة بينهم كما هو ظاهر العطف على ما في صفاتهم من العموم والخصوم. وقد اختلفوا في تعريفهم وهاك ما لا كلفة فيه ولا جناية على اللغة.

الصديقون: جمع صدّيق وهو من غلب عليه الصدق وعرف به كالسكير لمن غلب عليه السكر. قال الراغب: الصديق من كثر منه الصدق وقيل بل يقال لمن لا يكذب قط وقيل لمن لا يتأتى منه الكذب لتعوده الصدق، وقيل بل لمن صدق بقوله واعتقاده وحقق صدقه بقوله. قال:وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيّاً } [مريم: 41]، وقال - أي في المسيح -وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ } [المائدة: 75] وقال { مِّنَ ٱلنَّبِيِّينَ وَٱلصِّدِّيقِينَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَٱلصَّالِحِينَ } فالصديقون هم قوم دوين الأنبياء في الفضيلة على ما بينت ذلك في الذريعة إلى مكارم الشريعة.

الأستاذ الإمام: الصديقون هم الذين زكت فطرتهم، واعتدلت أمزجتهم، وصفت سرائرهم، حتى إنهم يميزون بين الحق والباطل والخير والشر بمجرد عروضه لهم، فهم يصدقون بالحق على أكمل وجه، ويبالغون في صدق اللسان والعمل، كما نقل عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه بمجرد ما بلغته دعوة النبي صلى الله عليه وسلم عرف أنها الحق وقبلها وصدق بها فصدق النبي في قوله وعمله أكمل الصدق، ويليه في ذلك جميع السابقين الأولين فإنهم انقادوا إلى الإسلام بسهولة قبل أن تظهر الآيات وثمرات الإيمان تمام الظهور كعثمان بن عفان وعثمان بن مظعون - وعد آخرين من السابقين - ودرجة هؤلاء قريبة من مرتبة النبوة بل الأنبياء صديقون وزيادة.

السابقالتالي
2 3 4 5