الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تُؤْتُواْ ٱلسُّفَهَآءَ أَمْوَالَكُمُ ٱلَّتِي جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ قِيَٰماً وَٱرْزُقُوهُمْ فِيهَا وَٱكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً } * { وَٱبْتَلُواْ ٱلْيَتَامَىٰ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِّنْهُمْ رُشْداً فَٱدْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَآ إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَن يَكْبَرُواْ وَمَن كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِٱلْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ حَسِيباً }

المفردات: (السفهاء) جمع سفيه من السفه والسفاهة، وتقدم في تفسير سورة البقرة أن السفه هو الإضطراب في الرأي والفكر أو الأخلاق. وأصله الإضطراب في المحسوسات وقال الراغب: السفه خفة في البدن، ومنه قيل زمام سفيه: كثير الإضطراب، وثوب سفيه: رديء النسج. واستعمل في خفة النفس لنقصان العقل وفي الأمور الدنيوية والأخروية. ثم جعل السفه في الأمور الدنيوية هو المراد من لفظ السفهاء هنا، ومثل للسفه في الأمور الأخروية بقوله تعالى:وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى ٱللَّهِ شَطَطاً } [الجن: 4]. فالسفهاء هنا هم المبذرون أموالهم الذين ينفقونها فيما لا ينبغي ويسيئون التصرف بإنمائها وتثميرها - (قياماً) تقوم بها أمور معايشكم فتحول دون وقوعكم في الفقر، وقرأها نافع وابن عامر (قيماً) وهو بمعنى قياماً كما يأتي. قال الراغب: القيام والقوام إسم لما يقوم به الشيء، أي يثبت كالعماد والسناد لما يعمد ويسند به، وذكر الآية. وفسرت في الكشاف بقوله: أي تقومون بها وتنتعشون، ولو ضيعتموها لضعتم قال: وقرئ قيماً بمعنى قياماً كما جاء عوذاً بمعنى عياذاً - (وارزقوهم) من الرزق وهو العطاء من الأشياء الحسية والمعنوية، ويطلق على النصيب من الشيء وقد يخص الطعام، قيل: وهو الظاهر هنا لمقابلته بالكسوة، كما قال في آية المرضعات:وَعلَى ٱلْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ } [البقرة: 233] وقد يقال: إنه أعم في الموضعين وقوله { آنَسْتُمْ مِّنْهُمْ رُشْداً } معناه أبصرتم منهم هذا النوع من الرشد في حفظ الأموال وحسن التصرف فيها إبصار إيناس، وهو الإستيضاح واستعير للتبيين كما في الكشاف، وعن ابن عباس أن الرشد الصلاح في العقل والحفظ للمال (إسرافاً وبداراً) مصدران لأسرف وبادر، فالإسراف مجاوزة الحد في كل عمل وغلب في الأموال، ويقابله القتر وهو النقص في النفقة عما ينبغي قال تعالى:وَٱلَّذِينَ إِذَآ أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يَقْتُرُواْ وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً } [الفرقان: 67] يقال: قتر - يقتر بوزن نصر ينصر، وقتر يقتر - بالتشديد - والقوام كالقيام هو القصد بينهما الذي تقوم به المعيشة وتثبت كما تقدم. والبدار: المبادرة أي المسارعة إلى الشيء، يقال: بادرت إلى الشيء وبدرت إليه - وقوله: { أَن يَكْبَرُواْ } في تأويل المصدر، أي كبرهم في السن، يقال: كبر يكبر - بوزن علم يعلم - إذا كبرت سنه، وأما كبر يكبر بضم الباء في الماضي والمضارع، فهو كعظم يعظم حسا، أو معنى - { فَلْيَسْتَعْفِفْ } فليعف مبالغاً في العفة، أو فليطالب نفسه بالعفة ويحملها عليها، وهي ترك ما لا ينبغي من الشهوات، أو ملكة في النفس تقتضي ذلك وطلبها يكون بالتعفف وهو تكلف العفة المرة بعد المرة، حتى تستحكم الملكة في النفس بالتكرار والممارسة كسائر الأخلاق والملكات المكتسبة بالتربية.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد