الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱفْتَرَىٰ إِثْماً عَظِيماً } * { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ ٱللَّهُ يُزَكِّي مَن يَشَآءُ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً } * { ٱنظُرْ كَيفَ يَفْتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلكَذِبَ وَكَفَىٰ بِهِ إِثْماً مُّبِيناً }

روى ابن المنذر عن أبي مجاز قال لما نزل قوله تعالى:قُلْ يٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ } [الزمر: 53] قام النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر فتلاها على الناس فقام إليه رجلاً فقال والشرك بالله فسكت ثم قام إليه فقال يا رسول الله والشرك بالله؟ فسكت مرتين أو ثلاثاً فنزلت هذه الآية { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ } وروى ابن جرير نحوه عن ابن عمر، وروى ابن أبي حاتم والطبراني عن أبي أيوب الأنصاري في رجل شكا ابن أخيه للنبي صلى الله عليه وسلم أنه لا ينتهي عن الحرام. وذكر الفخر الرازي أنها نزلت في وحشي قاتل حمزة (رضي الله عنهم) إذ أراد أن يسلم وخاف أن لا يقبل إسلامه وذكر في ذلك محاورة ومراجعة عزاها إلى ابن عباس وهي لا تصح فلا حاجة إلى إيرادها.

الأستاذ الإمام: قالوا إن سبب نزول هذه الآية قصة وحشي وإنه ندم على قتله لما أخلفه مولاه ما وعده من عتقه وراجع النبي صلى الله عليه وسلم في إسلامه فكأنهم يثبتون أن الله جلت عظمته كان يداعب وحشياً وأصحابه ويستميلهم بآية بعد آية ولا حاجة إلى هذا كله فالكلام ملتئم بعضه مع بعض فهو بعد ما ذكر من شأن اليهود وإن عمدتهم في تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم تحريف أحبارهم للكتاب واتباعهم لهم في أمر الدين كما قال في آية أخرىٱتَّخَذُوۤاْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ ٱللَّهِ } [التوبة: 31] وورد في تفسيرها المرفوع أنهم كانوا يتبعونهم في التحليل والتحريم من غير رجوع إلى أصل الكتاب، فهذه الآية تشير إلى أنهم وقعوا في الشرك المشار إليه في الآية الأخرى إذ الشرك بالله يتحقق باعتماد الإنسان على غير الله مع الله في طلب النجاة من رزايا الدنيا ومصائبها أو من العذاب في الآخرة كما يتحقق بالأخذ بقول بعض الناس في التشريع كالعبادات والعقائد والحلال والحرام وإثبات الشرك لليهود هنا وفي تلك الآية لا ينافي تسميتهم أهل الكتاب الذي يدخل فيه الإيمان بالله والأنبياء فإنه قال في الآية السابقةفَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً } [النساء: 46] أي إيماناً لا يعتد به إذ لا يقي صاحبه من الشرك.

أقول قد بينا في مواضع كثيرة من التفسير حقيقة الشرك في الألوهية وهو الشعور بسلطة وتأثير وراء الأسباب والسنن الكونية لغير الله تعالى وكل قول وعمل ينشأ عن ذلك الشعور، والشرك في الربوبية وهو الأخذ بشيء من أحكام الدين والحلال والحرام عن بعض البشر دون الوحي وهذا النوع من الشرك هو الذي أشار الأستاذ الإمام إلى تفسير النبي صلى الله عليه وسلم لآية التوبة به وهي قوله تعالى في أهل الكتاب كلهم

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7