الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ ٱلْكِتَٰبِ يَشْتَرُونَ ٱلضَّلَٰلَةَ وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ ٱلسَّبِيلَ } * { وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَلِيّاً وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ نَصِيراً } * { مِّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَٱسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَٰعِنَا لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي ٱلدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَٱسْمَعْ وَٱنْظُرْنَا لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِن لَّعَنَهُمُ ٱللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً }

قال الرازي في وجه الاتصال بين هذه الآيات وما قبلها: اعلم أنه تعالى لما ذكر من أول هذه السورة إلى هذا الموضع أنواعاً كثيرة من التكاليف والأحكام الشرعية قطع هاهنا ببيان الأحكام الشرعية وذكر أحوال أعداء الدين وأقاصيص المتقدمين لأن البقاء في النوع الواحد من العلم مما يكل الطبع ويكدر الخاطر فأما الانتقال من نوع من العلوم إلى نوع آخر فإنه ينشط الخاطر ويقوي القريحة. اهـ. وقال النيسابوري الذي اختصر التفسير الكبير للرازي في تفسيره: ثم أنه سبحانه لما ذكر من أول السورة إلى هنا أحكاماً كثيرة عدل إلى ذكر طرف من آثار المتقدمين وأحوالهم لأن الانتقال من أسلوب إلى أسلوب مما يزيد السامع هزة وجدة. اهـ.

أقول غلط المفسران كلاهما في قولهما إن الكلام انتقال إلى ذكر أحوال المتقدمين وإنما هو انتقال إلى ذكر أحوال المعاصرين للنبي صلى الله عليه وسلم من أهل الكتاب فكأنهما توهما أن الآية نزلت في زمنهما وما قالاه في الانتقال من أسلوب إلى آخر صحيح وهو أعم مما نحن فيه وقال الأستاذ الإمام رحمه الله تعالى.

الكلام انتقال من الأحكام وما عليها من الوعد والوعيد إلى بيان حال بعض الأمم من حيث أخذهم بأحكام دينهم وعدمه ليذكر الذين خوطبوا بالأحكام المتقدمة بأن الله تعالى مهيمن عليهم كما هيمن على من قبلهم فإذا هم قصروا يأخذهم بالعقاب الذي رتبه على ترك أحكام دينه في الدنيا والآخرة.

والمنتظر من المؤمنين بعد ذكر الأحكام الماضية وما قرنت به من الوعد والوعيد أن يأخذوا بها على الوجه الموصل إلى إصلاح الأنفس وهو أثرها المراد منها وذلك بأن يؤخذ بها في صورتها ومعناها لا في صورتها فقط ولكن جرت سنة الله في الأمم أن يكتفي بعض الناس من الدين ببعض الظواهر والرسوم الدينية كما جرى عليه بعض اليهود في القرابين وأحكام الطهارة الظاهرة وهذا لا يكفي في اتباع الدين والقيام به على الوجه المصلح للنفوس كما أراد الله من التشريع فأراد الله تعالى بعد بيان بعض الأحكام التي لها رسوم ظاهرة كالغسل والتيمم أن يذكر المسلمين بحال بعض الأمم التي هذا شأنها وكون هذا لم يغن عنها من الله شيئاً ولم ينالوا به مرضاته ولم يكونوا به أهلاً لكرامته ووعده فقال.

{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ ٱلْكِتَٰبِ يَشْتَرُونَ ٱلضَّلَٰلَةَ وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ ٱلسَّبِيلَ } قال ابن جرير نزلت في طائفة من اليهود وروى ذلك عن ابن عباس وغيره ويرى بعضهم أن أهل الكتاب فيها أعم والرؤية في قوله تعالى: { أَلَمْ تَرَ } قلبية علمية كما قال ابن جرير وقيل بمعنى النظر والمعنى ألم ينته علمك أيها الرسول أولم تنظر إلى هؤلاء الذين أعطوا نصيباً أي حظاً وطائفة من الكتاب الإلهي كيف حرموا هدايته واستبدلوا بها ضدها فهم يشترون الضلالة باختيارها لأنفسهم بدلاً من الهداية ويريدون إن تضلوا أيها المسلمون السبيل أي طريق الحق القويم كما ضلوا فهم يكيدون لكم ليردوكم عن دينكم إن استطاعوا والتعبير بالنصيب يدل على أنهم لم يحفظوا كتابهم كله وذلك أنهم لم يحفظوه في زمن إنزاله عن ظهر قلب كما حفظنا القرآن ولم يكتبوا منه نسخاً متعددة في العصر الأول كما فعلنا حتى إذا ما فقد بعضها قام مقامه البعض الآخر بل كان عند اليهود نسخة واحدة من التوراة هي التي كتبها موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام فقدت كما بينا ذلك في تفسير الآية الأولى من سورة آل عمران (راجع الجزء الثالث من التفسير) وفيه بحث تاريخ كتابتها وحقيقة الموجود الآن منها وبحث كتابة الإنجيل كذلك.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7