الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَٰعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً } * { فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَـٰؤُلاۤءِ شَهِيداً } * { يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ ٱلرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّىٰ بِهِمُ ٱلأَرْضُ وَلاَ يَكْتُمُونَ ٱللَّهَ حَدِيثاً }

قال البقاعي في نظم الدرر مبيناً وجه اتصال الآية الأولى بما قبلها: ولما فرغ من توبيخهم قال معللاً له { إِنَّ ٱللَّهَ } إلخ وقال الرازي اعلم أن تعلق هذه الآية بقوله تعالى:وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُواْ } [النساء: 39] إلخ فكأنه قال فإن الله لا يظلم من هذه حاله مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها فرغب بذلك في الإيمان والطاعة. اهـ.

وقال الأستاذ الإمام رحمه الله تعالى: بعد ما بين تعالى صفات المتكبرين وسوء حالهم وتوعدهم على ذلك أراد أن يزيد الأمر تأكيداً ووعيداً فبين أنه لا يظلم أحداً من العاملين بتلك الوصايا قليلاً أو كثيراً بل يوفيه حقه بالقسطاس المستقيم، فالآية تتميم لموضوع الأوامر السابقة وترغيب للعاملين في الخير كما قال في سورة الزلزلةفَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ } [الزلزلة: 7] إلخ فمن سمع هذه الآية تعظم رغبته في الخير ورجاؤه في الله تعالى.

قال: وللعابثين بالكتاب وبعقائد الناس كلام في الآية أقاموه على أساس مذاهبهم فمن ذلك قول المعتزلة أنه يجوز الظلم على الله تعالى (عقلاً) لأنه لو لم يكن جائزاً لما تمدح بنفيه ورد عليهم الآخرون بأنه تعالى نفى عن نفسه السنة والنوم وأنتم متفقون معنا على استحالة ذلك عليه فردوا عليهم بأن نفي الظلم كلام في أفعاله ونفي النوم كلام في صفاته وفرق بينهما - وهذا كله من الجدل الباطل والهذيان، وإدخال الفلسفة في الدين بغير عقل ولا بيان، ومثله قول بعض المنتمين إلى السنة بجواز تخلف الوعيد ولا يعد ذلك ظلماً لأن الظلم لا يتصور منه تعالى وبلغ بهم الجهل من تأييد هذا الرأي إلى تجويز الكذب على الله تعالى وجعلوا هذا نصراً للسنة.

والذي قذف بهؤلاء في هذه المهاوي هو الجدل والمراء لتأييد المذاهب التي تقلدوها والتزام كل فريق تفنيد الآخر وإظهار خطإِه لا طلب الحق أينما ظهر.

ولهم مثل هذه الجهالات الكثير البعيد عن كتاب الله ودينه كقول المعتزلة أن بعض الأشياء حسن لذاته وبعضها قبيح لذاته ويجب على الله تعالى أن يفعل الأصلح من الأمرين الجائزين وكقول بعض من لم يفهم مسألة أفعال العباد بما يدل على جواز العبث على الله تعالى وكل هذا جهل.

قال: والذي يفهم من الآية أن هناك حقيقة ثابتة في نفسها وهي الظلم وأن هذا لا يقع من الله تعالى لأنه من النقص الذي يتنزه عنه وهو ذو الكمال المطلق والفضل العظيم، وقد خلق للناس مشاعر يدركون بها وعقولاً يهتدون بها إلى ما لا يدركه الحس، وشرع لهم من أحكام الدين وآدابه ما لا تستقل عقولهم بالوصول إلى مثله في هدايتهم وحفظ مصالحهم وجعل فوائد الدين وآدابه سائقة إلى الخير صارفة عن الشر لتأييدها بالوعد والوعيد فمن وقع بعد ذلك فيما يضره ويؤذيه وترتبت عليه عقوبته كان هو الظالم لنفسه لأن الله لا يظلم أحداً.

السابقالتالي
2 3 4 5 6