الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِٱلْوَٰلِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَٰمَىٰ وَٱلْمَسَٰكِينِ وَٱلْجَارِ ذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْجَارِ ٱلْجُنُبِ وَٱلصَّاحِبِ بِٱلجَنْبِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً } * { ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَآ آتَاهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً } * { وَٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَـآءَ ٱلنَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلاَ بِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَمَن يَكُنِ ٱلشَّيْطَانُ لَهُ قَرِيناً فَسَآءَ قِرِيناً } * { وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَأَنْفَقُواْ مِمَّا رَزَقَهُمُ ٱللَّهُ وَكَانَ ٱللَّهُ بِهِم عَلِيماً }

قال البقاعي في وجه اتصال الآية الأولى من هذه الآيات بما قبلها ما نصه: ولما كثرت في هذه السورة الوصايا من أولها إلى هنا نتيجة التقوى (كذا) العدل والفضل والترغيب في نواله، والترهيب من نكاله، إلى أن ختم ذلك بإرشاد الزوجين إلى المعاملة بالحسنى وختم الآية بما هو في الذروة من حسن الختام من صفتي العلم والخبر وكان ذلك في معنى ما ختم به الآية الآمرة بالتقوى من الوصف بالرقيب، اقتضى ذلك تكرير التذكير بالتقوى التي افتتحت السورة بالأمر بها فكان التقدير حتماً فاتقوه عطف عليه أو على نحووَٱسْأَلُواْ ٱللَّهَ مِن فَضْلِهِ } [النساء: 32] أو علىٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ } [النساء: 1] الخُلق المقصود من الخلق المبثوثين على تلك الصفة وهو العبادة الخالصة التي هي الإحسان في معاملة الخالق، وأتبعها الإحسان في معاملة الخلائق، فقال - { وَٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ } إلخ وأقول إنه أبعد في العطف، وأحسن في الترتيب والوصف.

الأستاذ الإمام: كل ما تقدم من الأحكام كان خاصاً بنظام القرابة والمصاهرة وحال البيوت التي تتكون منها الأمة، ثم إنه تعالى بعد بيان تلك الأحكام الخصوصية، أراد أن ينبهنا إلى بعض الحقوق العمومية، وهي العناية بكل من يستحق العناية وحسن المعاملة من الناس، فبدأ ذلك بالأمر بعبادته تعالى، وعبادته ملاك حفظ الأحكام والعمل بها وهي الخضوع له تعالى وتمكين هيبته وخشيته من النفس، والخشوع لسلطانه في السر والجهر، فمتى كان الإنسان على هذا فإنه يقيم هذه الأحكام وغيرها حتى تصلح جميع أعماله ولذلك كانت النية عندنا تجعل الأعمال العادية عبادات كالزارع يزرع ليقيم أمر بيته ويعول من يمونه ويفيض من فضل كسبه على الفقراء والمساكين ويساعد على الأعمال ذات المنافع العامة فعمله بهذه النية يجعل حرثه من أفضل العبادات فليست العبادة في قوله هنا { وَٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ } خاصة بالتوحيد كما قال المفسر (الجلال) بل هي عامة كما قلنا تشمل التوحيد وجميع ما يمده من الأعمال.

{ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً } من الأشياء أو شيئاً من الإشراك (قال) اختلف تعبيرهم والمعنى واحد، والإشراك بالله يستلزم الإيمان به والنهي عنه يستلزم النهي عن التعطيل بالأولى. أقول يعني أن الشرك هو الخضوع لسلطة غيبية وراء الأسباب والسنن المعروفة في الخلق بأن يرجى صاحبها ويخشى منها ما تعجز المخلوقات عن مثله، وهذه السلطة لا تكون لغيره تعالى فلا يرجى غيره ولا يخشى سواه في أمر من الأمور التي هي وراء الأسباب المقدورة للمخلوقين عادة لأن هذا خاص به تعالى فمن اعتقد أن غيره يشركه فيه كان مؤمناً مشركاًوَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِٱللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُونَ } [يوسف: 106].

وأما التعطيل فهو إنكار الألوهية ألبتة أي إنكار تلك السلطة الغيبية التي هي مبدأ كل قوة وتصرف وفوق كل قوة وتصرف، فإذا نهى تعالى أن يشرك به غيره فيما استأثر به من السلطة والقدرة والتصرف ولم يجعله من الهبات التي منحها خلقه وعرفت عن سنته فيهم فلأن ينهى عن إنكار وجوده وجحد ألوهيته يكون أولى.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد