الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلرِّجَالُ قَوَّٰمُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَآ أَنْفَقُواْ مِنْ أَمْوَٰلِهِمْ فَٱلصَّٰلِحَٰتُ قَٰنِتَٰتٌ حَٰفِظَٰتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ ٱللَّهُ وَٱلَّٰتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَٱهْجُرُوهُنَّ فِي ٱلْمَضَاجِعِ وَٱضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً } * { وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَٱبْعَثُواْ حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَآ إِن يُرِيدَآ إِصْلَٰحاً يُوَفِّقِ ٱللَّهُ بَيْنَهُمَآ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً }

لما نهى الله تعالى كلاَّ من الرجال والنساء عن تمني ما فضل به بعضهم على بعض، وأرشدهم إلى الاعتماد في أمر الرزق على كسبهم، وأمرهم أن يؤتوا الوارث نصيبهم، ولما كان من جملة أسباب هذا البيان ذكر تفضيل الرجال على النساء في الميراث والجهاد كان لسائل هنا أن يسأل عن سبب هذا الاختصاص وكان جواب سؤاله قوله تعالى: { ٱلرِّجَالُ قَوَّٰمُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَآ أَنْفَقُواْ مِنْ أَمْوَٰلِهِمْ }.

أي إن من شأنهم المعروف المعهود القيام على النساء بالحماية والرعاية والولاية والكفاية ومن لوازم ذلك أن يفرض عليهم الجهاد دونهن فإنه يتضمن الحماية لهن، وأن يكون حظهم من الميراث أكثر من حظهن لأن عليهم من النفقة ما ليس عليهن، وسبب ذلك أن الله تعالى فضل الرجال على النساء في أصل الخلقة، وأعطاهم ما لم يعطهن من الحول والقوة، فكان التفاوت في التكاليف والأحكام، أثر التفاوت في الفطرة والاستعداد، وثم سبب آخر كسبي، يدعم السبب الفطري، وهو ما أنفق الرجال على النساء من أموالهم، فإن في المهور تعويضاً للنساء ومكافأة على دخولهن بعقد الزوجية تحت رياسة الرجال فالشريعة كرمت المرأة إذ فرضت لها مكافأة عن أمر تقتضيه الفطرة ونظام المعيشة وهو أن يكون زوجها قيّماً عليها فجعل هذا الأمر من قبيل الأمور العرفية التي يتواضع الناس عليها بالعقود لأجل المصلحة كأن المرأة تنازلت باختيارها عن المساواة التامة وسمحت بأن يكون للرجل عليها درجة واحدة هي درجة القيامة والرياسة، ورضيت بعوض مالي عنها، فقد قال تعالى:وَلَهُنَّ مِثْلُ ٱلَّذِي عَلَيْهِنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ } [البقرة: 228] فالآية أوجبت لهم هذه الدرجة التي تقتضيها الفطرة لذلك كان من تكريم المرأة إعطاؤها عوضاً ومكافأة في مقابلة هذه الدرجة وجعلها بذلك من قبيل الأمور العرفية لتكون طيبة النفس مثلجة الصدر قريرة العين ولا يقال إن الفطرة لا تجبر المرأة على قبول عقد يجعلها مرؤوسة للرجل بغير عوض فإنا نرى النساء في بعض الأمم يعطين الرجال المهور ليكنّ تحت رياستهم فهل هذا إلا بدافع الفطرة الذي لا يستطيع عصيانه إلا بعض الأفراد.

وقد سبق لنا في بيان حكمة تسمية المهور أجوراً من عهد قريب نحو مما تقدم هنا وهو ظاهر جلي وإن لم يهتد إليه من عرفت من المفسرين وجعل بعضهم إنفاق الأموال هنا شاملا للمهر ولما يجب من النفقة على المرأة بعد الزواج.

الأستاذ الإمام: المراد بالقيام هنا هو الرياسة التي يتصرف فيها المرؤوس بإرادته واختياره وليس معناها أن يكون المرؤوس مقهوراً مسلوب الإرادة لا يعمل عملاً إلا ما يوجهه إليه رئيسه فإن كون الشخص قيماً على آخر هو عبارة عن إرشاده والمراقبة عليه في تنفيذ ما يرشده إليه أي ملاحظته في أعماله وتربيته، ومنها حفظ المنزل وعدم مفارقته ولو لنحو زيارة أولي القربى إلا في الأوقات والأحوال التي يأذن بها الرجل ويرضى، أقول ومنها مسألة النفقة فإن الأمر فيها للرجل فهو يقدر للمرأة تقديراً إجمالياً يوماً يوماً أو شهراً شهراً أو سنة سنة وهي تنفذ ما يقدره على الوجه الذي ترى أنه يرضيه ويناسبه حاله من السعة والضيق.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد