الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَـٰتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُّدْخَلاً كَرِيماً }

نهى سبحانه عن أكل الأموال بالباطل وعن قتل الأنفس وهما أكبر الذنوب المتعلقة بحقوق العباد، وتوعد فاعل ذلك عدواناً وظلماً بالنار، ثم نهى عن جميع الكبائر التي يعظم ضررها وتؤذن بضعف إيمان مرتكبها، ووعد على تركها بالجنة ومدخل الكرامة، وقيل المراد بالكبائر هنا جميع ما تقدم النهي عنه في هذه السورة.

قال البقاعي بعد الآيتين السابقتين: ولما بين تعالى ما لفاعل ذلك تحذيراً، اتبعه ما للمنتهي تبشيراً، وكان قد تقدم جملة من الكبائر فقال. وذكر الآية.

الاجتناب: ترك الشيء جانباً والكبائر جمع كبيرة أي الفعائل أو المعاصي الكبائر والسيئات جمع سيئة وهي الفعلة التي تسوء صاحبها عاجلاً أو آجلاً أو تسوء غيره كما تقدم في تفسيروَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا } [آل عمران: 193] وفسروها بالصغائر بدليل مقابلتها بالكبائر واللفظ أهم والتخصيص غير متعين.

الأستاذ الإمام: اختلف العلماء هل في المعاصي صغيرة وكبيرة أم المعاصي كلها كبائر؟ نقلوا عن ابن عباس أن كل ما عصي الله به فهو كبيرة. صرح بذلك الباقلاني والإسفراييني وإمام الحرمين. وقالت المعتزلة وبعض الأشاعرة أن من الذنوب كبائر وصغائر وقال الغزالي إن هذا من البديهيات. وقد اختلف في الصغائر والكبائر فقيل هي سبع لحديث صحيح في ذلك ولكن الأحاديث الصحيحة في عدها مختلفة ومجموعها يزيد على سبع وقد ذكرت على سبيل التمثيل.

أقول أشهر هذه الأحاديث ما ورد في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " " اجتنبوا السبع الموبقات " قالوا: وما هي يا رسول الله؟ قال: " الشرك بالله، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، والسحر، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات " ".

ومنها أيضاً من حديث أبي بكرة أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ - قلنا: بلى يا رسول الله، قال: " الإشراك بالله، وعقوق الوالدين - وكان متكئاً فجلس وقال - ألا وقول الزور، وشهادة الزور " فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت. " وفي لفظ عند البخاري من حديث ابن عمرو زيادة " واليمين الغموس " وفي الصحيحين أيضاً من حديث ابن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه - قالوا: وكيف يلعن الرجل والديه؟ قال: يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه " وكان صلى الله عليه وسلم يذكر في كل مقام ما تمس إليه الحاجة فلم يرد شيء من ذلك في مقام الحصر والتحديد ولكن الأحاديث صريحة في إثبات الكبائر ويقابلها الصغائر والظاهر منها أن كبرها في ذواتها وأنفسها لما فيها من المفسدة والضرر، والموبقات أكبر الكبائر من أوبقه إذا أهلكه أو ذلَّـلَـه.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8