الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلْمُحْصَنَٰتُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أَيْمَٰنُكُمْ كِتَٰبَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَٰلِكُمْ مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَٰفِحِينَ فَمَا ٱسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَٰضَيْتُمْ بِهِ مِن بَعْدِ ٱلْفَرِيضَةِ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً } * { وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ ٱلْمُحْصَنَٰتِ ٱلْمُؤْمِنَٰتِ فَمِنْ مَّا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُكُم مِّن فَتَيَٰتِكُمُ ٱلْمُؤْمِنَٰتِ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَٰنِكُمْ بَعْضُكُمْ مِّن بَعْضٍ فَٱنكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ مُحْصَنَٰتٍ غَيْرَ مُسَٰفِحَٰتٍ وَلاَ مُتَّخِذَٰتِ أَخْدَانٍ فَإِذَآ أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَٰحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى ٱلْمُحْصَنَٰتِ مِنَ ٱلْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ ٱلْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

في هاتين الآيتين بيان بقية ما يحرم من نكاح النساء وحل ما عداه وحكم نكاح الإماء وما فصلناهما عما قبلهما إلا لأن من قسموا القرآن إلى ثلاثين جزءاً جعلوهما في أول الجزء الخامس وقد راعوا في هذا التقسيم المقادير من اللفظ دون المعنى وكان المناسب للمعنى أن يجعلوا أول الجزء الخامس قوله تعالى:يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُوۤاْ أَمْوَٰلَكُمْ بَيْنَكُمْ بِٱلْبَٰطِلِ } [النساء: 29] كما هو ظاهر.

فقوله تعالى: { وَٱلْمُحْصَنَٰتُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ } عطف على ما قبله من المحرمات أي وحرمت عليكم المحصنات من النساء أن تنكحوهن. والمحصنات جمع محصنة بفتح الصاد اسم مفعول من { أُحْصِنَّ } عند جميع القراء، وروي عن الكسائي كسرها في غير هذا الموضع فقط وقيل لا يصح الفتح عنه. والإحصان من الحصن وهو المكان المنيع المحمي ففيه معنى المنع الشديد ويقال حصنت المرأة (بضم الصاد) حِصنا وحصانة أي عفّت فهي حاصن وحاصنة وحصان وحصناء (بالفتح فيهما) قال الشاعر:
حَصان رَزان ما تزَنُّ بريبة   وتصبح غرثى من لحوم الغوافل
ويقال أحصنت المرأة إذا تزوجت لأنها تكون في حصن الرجل وحمايته ويقال أحصنها أهلها إذا زوجوها. ومن شأن المتزوجة أن تحصن نفسها فتكتفي بزوجها عن التطلع إلى الرجال لأجل حاجة الطبيعة وتحصن زوجها عن التطلع إلى غيرها من النساء فعلى المرأة المعوّل في الإحصان حتى قيل إن لفظ المحصنة (بفتح الصاد) اسم فاعل نطقت به العرب على خلاف عادتها فقد روي عن ابن الأعرابي أنه قال " كل أفعل اسم فاعله بالكسر إلا ثلاثة أحرف: أحصن، وألفج إذا ذهب ماله، وأسهب إذا كثر كلامه " وروي مثله عن الأزهري.

وعن ثعلب إن المرأة العفيفة يقال لها محصنة (بفتح الصاد) ومحصنة (بكسرها) وأما المرأة المتزوجة فيقال لها محصنة بالفتح لا غير. وجماهير السلف والخلف ومنهم أئمة الفقه المشهورون على أن المراد بالمحصنات هاهنا المتزوجات وقيل هن الحرائر وقيل عام في الحرائر والعفائف والمتزوجات. وقد يقال هن الحرائر المتزوجات وسيأتي عن الأستاذ الإمام ما يرجحه.

ولماذا قال: { مِنَ ٱلنِّسَآءِ } وصيغة الجمع مغنية عن هذا القيد؟ قال بعضهم النكتة في ذلك تأكيد العموم ولم ير قوله كافياً وافياً وصرح بعضهم بغموض النكتة في ذلك.

قال الأستاذ الإمام: قد استشكل ذلك المفسرون حتى روي عن مجاهد أنه قال: لو كنت أعلم من يفسرها لي لضربت إليه أكباد الإبل، أي لسافر إليه وإن بعد مكانه.

وعندي إن هذا القيد يكاد يكون بديهياً فإن لفظ المحصنات قد يراد به العفيفات أو المسلمات فلو لم يقل هاهنا { مِنَ ٱلنِّسَآءِ } لتوهم أن المحصنات إنما يحرم نكاحهن إذا كن مسلمات فأفاد هذا القيد العموم والإطلاق أي إن عقد الزوجية محترم مطلقاً لا فرق فيه بين المؤمنات والكافرات والحرائر والمملوكات فيحرم تزوج أية امرأة في عصمة رجل وحصنه.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد