الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ ءَابَآؤُكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَآءَ سَبِيلاً } * { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَٰتُكُمْ وَبَنَٰتُكُمْ وَأَخَوَٰتُكُمْ وَعَمَّٰتُكُمْ وَخَالَٰتُكُمْ وَبَنَاتُ ٱلأَخِ وَبَنَاتُ ٱلأُخْتِ وَأُمَّهَٰتُكُمُ الَّٰتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَٰتُكُم مِّنَ ٱلرَّضَٰعَةِ وَأُمَّهَٰتُ نِسَآئِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ ٱلَّٰتِي فِي حُجُورِكُمْ مِّن نِّسَآئِكُمُ ٱلَّٰتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَٰئِلُ أَبْنَائِكُمُ ٱلَّذِينَ مِنْ أَصْلَٰبِكُمْ وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ ٱلأُخْتَيْنِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً }

الكلام متصل بعضه ببعض في الأحكام المتعلقة بالنساء، وقد كان منها في أوائل السورة حكم نكاح اليتامى وعدد ما يحل من النساء بشرطه. وفي الآية التي قبل هاتين الآيتين ذكر استبدال زوج مكان زوج بأن يطلق هذه وينكح تلك، فلا غرو أن يصل ذلك ببيان ما يحرم نكاحه منهن، وقد بين ما يجب من المعروف في معاشرتهن، وقال البقاعي في نظم الدرر: لما كرر الإذن في نكاحهن وما تضمنه منطوقاً ومفهوماً وكان قد تقدم الإذن في نكاح ما طاب من النساء وكان الطيب شرعاً يحمل على الحل مست الحاجة إلى ما يحل منهن لذلك. وما يحرم فقال: { وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ ءَابَآؤُكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ }.

أقول: قدم هذا النكاح على غيره وجعله في آية خاصة ولم يسرده مع سائر المحرمات في الآية الأخرى لأنه على قبحه كان فاشياً في الجاهلية ولذلك ذمه بمثل ما ذم به الزنا للتنفير عنه كما ترى في آخر الآية. أخرج ابن سعد عن محمد بن كعب قال: كان الرجل إذا توفي عن امرأته كان ابنه أحق بها أن ينكحها إن شاء إن لم تكن أمه أو ينكحها من شاء فلما مات أبو قيس بن الأسلت قام ابنه محصن فورث نكاح امرأته أم عبيد بنت ضمرة ولم ينفق عليها ولم يورثها من المال شيئاً فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال: " إرجعي لعل الله ينزل فيك شيئاً " فنزلت { وَلاَ تَنكِحُواْ } الآية. ونزلت أيضاًلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ ٱلنِّسَآءَ كَرْهاً } [النساء: 19] أي نزلت هذه الآيات عقب وقوع هذه الحادثة وأمثالها وتقدم ذكر القصة بلفظ آخر عند تفسير الآية الأولى وما هي ببعيد.

وقال الواحدي وغيره ممن تكلم في أسباب النزول: إنها نزلت في محصن المذكور وفي الأسود بن خلف تزوج امرأة أبيه وفي صفوان بن أمية بن خلف تزوج امرأة أبيه فاختة بنت الأسود بن المطلب وفي منظور بن ريان تزوج امرأة أبيه مليكة بنت خارجة.

والنكاح هو الزواج وقد تقدم في تفسير:فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىٰ تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ } [البقرة: 230] إن النكاح له إطلاقان يطلق على عقد الزوجية وعلى ما وراء العقد وما يقصد به، أي مجموعهما وهو المراد هناك. وقد صرح الفقهاء بأنه يطلق على العقد وعلى الوطء، واختلفوا في أي الإطلاقين هو الحقيقي وأيهما المجازي. والظاهر أنه لا يطلق شرعاً على الوطء من غير عقد وإنما كمال معناه الشرعي العقد وما وراءه كما قلنا، وقد يطلق على العقد وحده. قال الأستاذ الإمام: وهو الذي تمكن معرفته وتبنى عليه الأحكام في الغالب بخلاف ما قاله الحنفية من أن حقيقته الوطء، ويؤيد ما اختاره الأستاذ تفسير ابن عباس رضي الله عنه النكاح هنا بالعقد.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد