الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ وَآتُواْ ٱلْيَتَامَىٰ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ ٱلْخَبِيثَ بِٱلطَّيِّبِ وَلاَ تَأْكُلُوۤاْ أَمْوَالَهُمْ إِلَىٰ أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً } * { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي ٱلْيَتَامَىٰ فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ مَثْنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَٰحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُكُمْ ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلاَّ تَعُولُواْ } * { وَءَاتُواْ ٱلنِّسَآءَ صَدُقَٰتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً }

{ وَآتُواْ } أعطوا { ٱلْيَتَامَىٰ } جمع يتيم وهو من الناس من فقد أباه قبل بلوغه السن التي يستغني فيها عن كفالته، ومن الحيوان من فقد أمه صغيراً لأن إناث الحيوان هي التي تكفل صغارها. وكل منفرد يتيم ومنه الدرة اليتيمة. ولم ينقل من جمع فعيل على فعالى ما يعدونه به مقيساً، ولذلك قيل إن لفظ يتيم قد جمع هذا الجمع لأنه أجري مجرى الأسماء إلى آخر ما قالوا { وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ ٱلْخَبِيثَ بِٱلطَّيِّبِ } أي لا تأخذوا الخبيث فتجعلوه بدلاً من الطيب. يقال تبدل الشيء بالشيء واستبدله به إذا أخذ الأول بدلاً من الثاني الذي دخلت عليه الباء بعد أن كان حاصلاً له أو في شرف الحصول ومظنته، يستعملان دائماً بالتعدي إلى المأخوذ بأنفسهما وإلى المتروك بالباء كما تقدم في قوله تعالى:أَتَسْتَبْدِلُونَ ٱلَّذِي هُوَ أَدْنَىٰ بِٱلَّذِي هُوَ خَيْرٌ } [البقرة: 61] وأما التبديل فيستعمل بالوجهين (والخبيث) ما يكره رداءة وخساسة محسوساً كان أو معقولاً، من خبث الحديد وهو صدأه، قال الراغب: وأصله الرديء الدخلة الجاري مجرى خبث الحديد كما قال الشاعر:
سبكناه ونحسبه لجينا   فأبدى الكير عن خبث الحديد
وذلك يتناول الباطل في الإعتقاد والكذب في المقال والقبيح في الفعال. ثم أورد الآيات في هذه المعاني المختلفة. قال: وأصل (الطيب) ما تستلذه الحواس وما تستلذه النفس. أقول: وهو كمقابله يوصف به الشخص، ومنه قوله تعالى:ٱلْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَٱلْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَٱلطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَٱلطَّيِّبُونَ لِلْطَّيِّبَاتِ } [النور: 26] والأشياء ومنه قوله تعالى:وَيُحِلُّ لَهُمُ ٱلطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ ٱلْخَبَآئِثَ } [الأعراف: 157] وقوله:وَٱلْبَلَدُ ٱلطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَٱلَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِداً } [الأعراف: 58] والأعمال ومنه الآية التي نفسرها في قول من قال إن معناها ولا تتبدلوا العمل الخبيث بالعمل الطيب أن تجعلوه بدلاً منه. ومنه مثل الكلمة الطيبة والكلمة الخبيثة في سورة إبراهيم [14: 24 - 26]. و (الحوب) الإثم ومصدره بفتح الحاء. وذكر الراغب أن الأصل فيه كلمة " حوب " لزجر الإبل. قال وفلان يتحوب من كذا أي يتأثم، وقولهم: ألحق الله به الحوبة أي المسكنة والحاجة وحقيقتها هي الحاجة التي تحمل صاحبها على ارتكاب الإثم، والحوباء قيل هي النفس وحقيقتها هي النفس المرتكبة للحوب اهـ ويروى عن ابن عباس رضي الله عنه تفسيره بالإثم وبالظلم. وفي الطبراني أن نافع بن الأزرق سأله عنه فقال: هو الإثم بلغة الحبشة. قال: فهل تعرف العرب ذلك؟ نعم أما سمعت قول الأعشى:
فإني وما كلفتموني من أمركم   ليعلم من أمسى أعق وأحوبا
وحاب يحوب حوبا وحابا قال الزمخشري وهما كالقول والقال، وقال القفال أصله التحوب وهو التوجع، فالحوب ارتكاب ما يتوجع منه. و (تقسطوا) تعدلوا من الإقساط، يقال: أقسط الرجل إذا عدل، ويقال قسط إذا جار.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد