الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱللاَّتِي يَأْتِينَ ٱلْفَٰحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَٱسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنْكُمْ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي ٱلْبُيُوتِ حَتَّىٰ يَتَوَفَّاهُنَّ ٱلْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ ٱللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً } * { وَٱللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَآ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ تَوَّاباً رَّحِيماً }

قال البقاعي في تفسيره: (نظم الدرر، في تناسب الآيات والسور) بعد تفسير الآيات السابقة مبيناً وجه الاتصال بينها وبين هذه الآيات ما نصه: " ولما تقدم سبحانه في الإيصاء بالنساء، وكان الإحسان في الدنيا تارة يكون بالثواب وتارة يكون بالزجر والعقاب لأن مدار الشرائع على العدل والإنصاف والإحتراز في كل باب عن طرفي الإفراط والتفريط - ختم سبحانه بإهانة العاصي، وكان إحسانا إليه بكفه عن الفساد، لئلا يلقيه ذلك إلى الهلاك أبد الآباد، وكان من أفحش العصيان الزنا وكان الفساد في النساء أكثر، والفتنة بهن أكبر، والضرر منهن أخطر، وقد يدخلن على الرجال من يرث منهم من غير أولادهم قدمهن فيه اهتماماً بزجرهن " اهـ.

وأقول: وجه الإتصال أن هاتين الآيتين في بعض الأحكام المتعلقة بالرجال والنساء كالتي قبلهما، وقد تقدم القول في كون آي الإرث وردت في سياق أحكام النساء حتى جعل إرث الأنثى فيها أصلاً أو كالأصل يبني غيره عليه ويعرف به (راجع تفسير " للذكر مثل حظ الأنثيين " في ص405 ج4 تفسير) وكان الكلام قبلهما في توريث النساء كالرجال والقسط فيهن وعدد ما يحل منهن مع العدل فلا غرو إذا جاء حكم إتيانهن الفاحشة بعد ما ذكر مقدماً على حكم إتيان الرجال الفاحشة وجعل ذلك بين ما تقدم وبين حكم ما كانت عليه الجاهلية من إرث النساء كرهاً وعضلهن لأكل أموالهن وحكم ما يحرم منهن في النكاح. وقد أحسن البقاعي في توجيه الإهتمام بتقديم ذكر النساء هنا بعلاقته بالإرث على رأي الجمهور في تفسير الفاحشة بالزنا الذي يفضي إلى توريث ولد الزنا ولكننا لا نسلم له أن الفساد في النساء أكثر منه في الرجال بل الرجال أكثر جرأة على الفواحش وإتيانا بها ولو أمكن إحصاء الزناة والزواني لعرف ذلك كل أحد.

قال تعالى: { وَٱللاَّتِي يَأْتِينَ ٱلْفَٰحِشَةَ } اللاتي جمع سماعي لكلمة التي أو بمعنى الجمع. ويأتين الفاحشة معناها يفعلن الفعلة الشديدة القبح وهي الزنا على رأي الجمهور والسحاق على ما اختاره أبو مسلم ونقله عن مجاهد. وأصل الإتيان والآتي المجيء، تقول جئت البلد وأتيت البلد، وجئت زيداً وأتيته، ويجعلون مفعولهما حدثاً فيكونان بمعنى الفعل، ومنه في المجيء قوله تعالى حكاية عن صاحب موسى:لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُّكْراً } [الكهف: 74] وقوله تعالى:لَّقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً } [مريم: 89] واستعمال الإتيان في الزنا واللواط هو الشائع كما ترى في الآيات عن قوم لوط وحينئذ يكون مفعوله حدثاً كما في الآية التي نفسرها وما بعدها، ويكون شخصاً كما في قوله:إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ ٱلرِّجَالَ } [الآعراف: 81] إلخ ولا أذكر الآن وأنا أكتب هذا في القسطنطينية مثالاً في استعمال الإتيان والمجيء في فعل الخير وليس بين يدي وأنا في فندق المسافرين كتب أراجع فيها { مِن نِّسَآئِكُمْ } أي يفعلنها حال كونهن من نسائكم { فَٱسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ } أي اطلبوا أن يشهد عليهن { أَرْبَعةً مِّنْكُمْ } والخطاب للمسلمين كافة لأنهم متكافلون في أمورهم العامة وهم الذين يختارون لأنفسهم الحكام الذين ينفذون الأحكام ويقيمون الحدود.

السابقالتالي
2 3 4 5