الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ ٱللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوۤاْ إِلَى ٱلصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَىٰ يُرَآءُونَ ٱلنَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً } * { مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذٰلِكَ لاَ إِلَىٰ هَـٰؤُلاۤءِ وَلاَ إِلَى هَـٰؤُلاۤءِ وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً } * { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلْكَافِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُواْ للَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُّبِيناً } * { إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ فِي ٱلدَّرْكِ ٱلأَسْفَلِ مِنَ ٱلنَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً } * { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَٱعْتَصَمُواْ بِٱللَّهِ وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ للَّهِ فَأُوْلَـٰئِكَ مَعَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ ٱللَّهُ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً } * { مَّا يَفْعَلُ ٱللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ ٱللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً }

اتصال هذه الآيات بما قبلها ظاهر فإنها تتمة الكلام في المنافقين الذين كثر في هذه السورة بيان أحوالهم هم وأهل الكتاب وباقيها في بيان أحوال أهل الكتاب اليهود والنصارى جميعاً ومحاجتهم إلا الآية الأخيرة.

{ إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ ٱللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ } تقدم الكلام في مخادعة المنافقين أول سورة البقرة ولكنني لا أتذكره الآن وأنا أكتب هذا في السفر والجزء الأول في التفسير ليس معي فأراجعه. كانت العرب تسند الخداع إلى الضب كما اشتقت كلمة النفاق من جحره الذي سمي النافقاء، وهو إنما يخدع طالبه بجحره، قيل لأنه يجعل له بابين إذا فوجئ من أحدهما هرب من الآخر، وقيل إنه يعد عقرباً فيجعلها في بابه لتلدغ من يدخل يده فيه، ولذلك قيل: العقرب بواب الضب وحاجبه.

ومن أمثالهم " أخدع من ضب " ويقولون: طريق خادع وخيدع. أي مضل كأنه يخدع سالكه فيحسبه موصلاً إلى غايته أو قريباً وهو ليس كذلك. والخداع صيغة مشاركة، ومعناه الذي يؤخذ مما ذكرنا من استعمالهم هو إيهامك إن الشيء أو الشخص على ما تحب أو تريد وهو على غير ما تحب وما تريد كما يوهم جحر الضب من يريد صيده إنه قريب المنال ليس دونه مانع فإذا مد يده إليه لدغته العقرب، فإن لم يكن هنالك عقرب خرج الضب من الباب الآخر ورجع الصائد بخفي حنين، وكما يوهم الطريق الخيدع سالكه فيضل دون الغاية التي يطلبها.

قال الراغب: " الخداع إنزال الغير عما هو بصدده بأمر يبديه على خلاف ما يخفيه قال تعالى: { يُخَادِعُونَ ٱللَّهَ } أي خادعون رسوله وأولياءه ونسب ذلك إلى الله تعالى من حيث إن معاملة الرسول كمعاملته ولذلك قالإِنَّ ٱلَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ ٱللَّهَ } [الفتح: 10] وجعل ذلك خداعاً له تفظيعاً لفعلهم وتنبيهاً على عظم الرسول وعظم أوليائه.

وقول أهل اللغة: إن هذا على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، فيجب أن يعلم إن المقصود بمثله في الحذف لا يحصل لو أتي بالمضاف المحذوف لما ذكرنا من التنبيه على أمرين أحدهما فظاعة فعلهم فيما تحروه من الخديعة وأنهم بمخادعتهم إياه يخادعون الله، والثاني التنبيه على عظم المقصود بالخداع وأن معاملته كمعاملة الله - أعاد هنا الاستشهاد بآية المبايعة -.

أقول فسر مخادعة الله عز وجل بمخادعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأوليائه وهم الصحابة رضي الله عنهم لأن المعاملة كانت بين المنافقين وبينهم، ولأن المؤمنين بالله لا يقصدون مخادعته، والمعطلين لا يؤمنون بوجوده والمعدوم لا تتوجه النفس إلى معاملته، فإن قيل: إن هؤلاء هم الذين قال الله فيهم أول سورة البقرةوَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ }

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7