الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ وَللَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ للَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَكَانَ ٱللَّهُ غَنِيّاً حَمِيداً } * { وَللَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلاً } * { إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا ٱلنَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ ذٰلِكَ قَدِيراً } * { مَّن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ ٱلدُّنْيَا فَعِندَ ٱللَّهِ ثَوَابُ ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَكَانَ ٱللَّهُ سَمِيعاً بَصِيراً }

اقتضت حكمة الله في ترتيب كتابه إن يجيء بعد تلك الأحكام العملية في شؤون النساء واليتامى أو بعدها ما قبلها من الأحكام المتعلقة بأهل الكتاب أيضاً وإن يعقب عليها بآيات في العلم الإلهي تذكر المخاطبين بتلك الأحكام بعظمته وسعة ملكه واستغنائه عن خلقه، وقدرته على ما يشاء من التصرف فيهم أو إثابتهم على طاعته فيما شرعه لهم لخيرهم ومصلحتهم، - تذكرهم بذلك ليزدادوا بتدبرها إيماناً يحملهم على العمل بها، والوقوف عند حدودها، وهي هذه الآيات.

{ وَللَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } ملكاً وخلقاً وعبيداً فبأمره وحده قام نظام الأكوان، وله وحده التدبير والتكليف الذي ينتظم به أمر الإنسان { وَلَقَدْ وَصَّيْنَا ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } في إقامة سننه، وإقامة دينه وشريعته، فبإقامة السنن تعلو معارفكم الإلهية، وترتقي مرافقكم الدنيوية، وبإقامة الأحكام والآداب الدينية، تتزكى أنفسكم وتنتظم مصالحكم المدنية والاجتماعية.

{ وَإِن تَكْفُرُواْ } نعمه عليكم وتتركوا تقواه في ذلك { فَإِنَّ للَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } لا ينقص كفركم من ملكه شيئاً وإنما ضرره عليكم، كما أن منفعة الشكر خاصة بكم { وَكَانَ ٱللَّهُ غَنِيّاً حَمِيداً } غنياً عن كل شيء بذاته لذاته، ولأن كل شيء له ومنه، محموداً بذاته لذاته وكمال صفاته، محموداً على جميع أفعاله، لأنه أحسن كل شيء خلقه، فهو لا يحتاج إلى شكركم لتكميل نفسه، ولا إلى حمدكم لتحقيق حمده.وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَـٰكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ } [الإسراء: 44] وفي الحديث القدسي المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه عز وجل: " يا عبادي! إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منك ما زاد ذلك في ملكي شيئاً، يا عبادي! لو إن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئاً، يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المِخْيَطُ إذا أدخل البحر، يا عبادي! إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيراً فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه " رواه مسلم وهو آخر حديث طويل اكتفينا منه بمحل الشاهد في موضوعنا.

{ وَللَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلاً } أعاد تذكيرهم بكونه مالك السماوات والأرض أي العوالم كلها ليتمثلوا عظمته، ويستحضروا الدليل على غناه وحمده، فيعلموا إنه إذا كان قد توكل بإغناء كل من الزوجين إذا أقاما حدوده في تفرقهما فإنه قادر على ذلك كما إنه قادر على إنجاز كل ما وعد وأوعد به، فيجب إن يكتفوا به في التوكل لهم، ويستعمل الوكيل بمعنى المهيمن والمسيطر والرقيب.

السابقالتالي
2