الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذٰلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } * { وَمَن يَعْصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ }

قال الأستاذ الإمام: الإشارة في قوله تعالى: { تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ } تتناول الأحكام التي ذكرت من أول هذه السورة إلى ما قبل هذه الآية أي إنه تعالى جعل تلك الأحكام حدوداً لأعمال المكلفين ينتهون منها إليها ولا يجوز لهم أن يتجاوزوها ويتعدوها، وهكذا جميع أحكامه في المأمورات والمنهيات وكذا المباحات فإن لها حدوداً إذا تجاوزها المكلف وقع في المحظور، فقد قال عزّ وجل:وكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُوۤاْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُسْرِفِينَ } [الأعراف: 31] أقول: فمدار الطاعة على البقاء في دائرة هذه الحدود وهي الشريعة ومدار العصيان على اعتدائها. ولذلك وصل هذه الجملة المبينة كون تلك الأحكام حدوداً بذكر الجزاء على الطاعة والعصيان مطلقاً فقال: { وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } إلخ. طاعة الله تعالى هي اتباع ما شرعه من الدين على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم هي اتباع ما جاء به من الدين عن ربه عز وجل. فطاعته صلى الله عليه وسلم هي عين طاعة الله عز وجل كما قال تعالى في هذه السورة:مَّنْ يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ ٱللَّهَ } [النساء: 80] وسيأتي ذكر الآية مع تفسيرها، فما هي النكتة إذاً في ذكر طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم مع ذكر طاعة الله تعالى؟ قد يقال: إن طاعة الله تعالى وطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم إنما تتحدان فتكون الثانية عين الأولى فيما يسنده الرسول إلى ربه ويبين أنه بوحي منه. وقد يأمر الرسول بأشياء وينهى عن أشياء باجتهاده فإذا جزم بذلك ولم يقم دليل على أن الأمر للإرشاد أو الإستحباب والنهي للكراهة أو الإستهجان وجبت طاعته في ذلك سواء كان في العبادات أو الأمور السياسية والقضائية لأنه إمام الأمة وحاكمها. وقد أجمع المسلمون على أن الله تعالى لا يقر رسله على خطأ في اجتهادهم بل يبين لهم ذلك مع ذكر العفو عن عدم إعطاء الإجتهاد حقه الموصل إلى ما هو الصواب المرضي عنده عز وجل كقوله لنبينا صلى الله عليه وسلم عندما أذن لبعض من استأذنه من المنافقين في التخلف عن غزوة تبوك:عَفَا ٱللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ } [التوبة: 43] الآية أو مع العتاب كما عاتبه على اجتهاده الموافق لاجتهاد أبي بكر الصديق رضي الله عنه في قبول الفداء من أسرى بدر بقوله:مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ } [الأنفال: 67] الآيتين، وكما عاتبه في الإعراض عن الأعمى المسترشد في أول سورةعَبَسَ وَتَوَلَّىٰ } [عبس: 1] إلخ ولا يدخل في هذا المقام ما يقوله صلى الله عليه وسلم في الأمور الدنيوية المحضة كالعادات والزراعة ونحوها لأنه ليس ديناً ولا قضاء ولا سياسة ولذلك قال صلى الله عليه وسلم في مسألة تأبير النخل:

السابقالتالي
2 3 4 5 6