الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي ٱلنِّسَآءِ قُلِ ٱللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فِي ٱلْكِتَٰبِ فِي يَتَٰمَى ٱلنِّسَآءِ ٱلَّٰتِي لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ وَٱلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ ٱلْوِلْدَٰنِ وَأَن تَقُومُواْ لِلْيَتَٰمَىٰ بِٱلْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيماً } * { وَإِنِ ٱمْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَآ أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَٱلصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ ٱلأنْفُسُ ٱلشُّحَّ وَإِن تُحْسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً } * { وَلَن تَسْتَطِيعُوۤاْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ ٱلنِّسَآءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ ٱلْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَٱلْمُعَلَّقَةِ وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً } * { وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ ٱللَّهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ وَكَانَ ٱللَّهُ وَاسِعاً حَكِيماً }

تقدم إن الكلام كان من أول السورة إلى ما قبل قوله تعالى:وَٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً } [النساء: 36] في الأحكام المتعلقة بالنساء واليتامى والقرابة، ومن آيةوَٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ } [النساء: 36] إلى آخر ما تقدم تفسيره في أحكام عامة أكثرها في أصول الدين وأحوال أهل الكتاب والمنافقين والقتال.

وقد جاءت هذه الآيات بعد ذلك في أحكام النساء فهي من جنس الأحكام التي في أول السورة. ولعل الحكمة في وضعها هاهنا تأخر نزولها إلى إن شعر الناس بعد العمل بتلك الآيات بالحاجة إلى زيادة البيان في تلك الأحكام، فإنهم كانوا يهضمون حقوق الضعيفين - المرأة واليتيم - كما تقدم فأوجبت عليهم تلك الآيات مراعاتها وحفظها وبينتها لهم، وجعلت للنساء حقوقاً ثابتة مؤكدة في المهر والإرث كالرجال وحرمت ظلمهن، وتعدد الزوجات منهن، مع الخوف من عدم العدل بينهن، وحددت العدد الذي يحلّ منهن في حال عدم الخوف من الظلم.

فبعد تلك الأحكام عرف النساء حقوقهن، وإن الإسلام منع الرجال الأقوياء أن يظلموهن، فكان من المتوقع بعد الشروع في العمل بتلك الأحكام إن يعرف الرجال شدة التبعة التي عليهم في معاملة النساء وإن يقع لهم الاشتباه في بعض الوقائع المتعلقة بها، كأن تحدث بعضهم نفسه بأن يحل له أو لا يحل إن يمنع اليتيمة ما كتب الله لها من الإرث وهو يرغب أن ينكحها، ويشتبه بعضهم فيما يصالح امرأته عليه إذا أرادت أن تفتدي منه، ويضرب بعضهم في حقيقة العدل الواجب بين النساء: هل يدخل فيه العدل في الحب أو في لوازمه العملية الطبيعية من زيادة الإقبال على المحبوبة والتبسط في الاستمتاع بها أم لا؟ - كل هذا مما تشتد الحاجة إلى معرفته بعد العمل بتلك الأحكام، فهو مما كان يكون موضع السؤال والاستفتاء، فلهذا جاء بهذه الآيات بعد طائفة من الآيات وطائفة من الزمان.

وقد علمنا من سنة القرآن عدم جمع الآيات المتعلقة بموضوع واحد في سياق واحد، لأن المقصد الأول من القرآن هو الهداية بأن تكون تلاوته عظة وذكرى وعبرة ينمي بها الإيمان والمعرفة بالله عز وجل، وبسنته في خلقه، وحكمته في عبادته، ويقوي بها شعور التعظيم والحب له، وتزيد الرغبة في الخير، والحرص على التزام الحق، ولو طال سرد الآيات في موضع واحد - ولا سيما موضوع أحكام المعاملات البشرية - لملّ القارئ لها في الصلاة وغير الصلاة، أو غلب على قلبه التفكر في جزئياتها ووقائعها، فيفوت بذلك المقصد الأول، والمطلوب الذي عليه المعوّل، وحسب طلاب الأحكام المفصلة فيه أن يرجعوا إليها عند الحاجة في الآيات المتفرقة، والسور المتعددة، ولا يجعلوها هي الأصل المقصود من التلاوة في الصلاة وللتعبد في غير الصلاة، فإن الأصل الأول هو ما علمت.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8