الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ لَّيْسَ بِأَمَـٰنِيِّكُمْ وَلاۤ أَمَانِيِّ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوۤءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً } * { وَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّٰلِحَٰتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـٰئِكَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيراً } * { وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَٰهِيمَ حَنِيفاً وَٱتَّخَذَ ٱللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً } * { وَللَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطاً }

روى غير واحد عن مجاهد أنه قال قالت العرب: لا نبعث ولا نحاسب. وقالت اليهود والنصارى: لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى، وقالوا لن تمسنا النار إلا أياماً معدودات فأنزل الله { لَّيْسَ بِأَمَـٰنِيِّكُمْ وَلاۤ أَمَانِيِّ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوۤءًا يُجْزَ بِهِ }.

وعن مسروق قال احتج المسلمون وأهل الكتاب فقال المسلمون: نحن أهدى منكم وقال أهل الكتاب: نحن أهدى منكم فأنزل الله هذه الآية.

وعن قتادة قال ذكر لنا إن المسلمين وأهل الكتاب افتخروا فقال أهل الكتاب: نبينا قبل نبيكم وكتابنا قبل كتابكم ونحن أولى بالله منكم، وقال المسلمون: نحن أولى بالله منكم ونبينا خاتم النبيين وكتابنا يقضي على الكتب التي كانت قبله، فأنزل الله { لَّيْسَ بِأَمَـٰنِيِّكُمْ وَلاۤ أَمَانِيِّ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ } - إلى قوله - { وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً } الآية فأفلج الله حجة المسلمين على من ناوأهم من أهل الأديان.

وعن السدي: التقى ناس من المسلمين واليهود والنصارى فقالت اليهود للمسلمين: نحن خير منكم ديننا قبل دينكم وكتابنا قبل كتابكم ونبينا قبل نبيكم ونحن على دين إبراهيم ولن يدخل الجنة إلا من كان يهودياً، وقالت النصارى مثل ذلك، فقال المسلمون: كتابنا بعد كتابكم ونبينا بعد نبيكم وديننا بعد دينكم، وقد أمرتم إن تتبعونا وتتركوا أمركم، فنحن خير منكم - نحن على دين إبراهيم وإسماعيل وإسحاق، ولن يدخل الجنة إلا من كان على ديننا، فرد الله عليهم قولهم فقال: { لَّيْسَ بِأَمَـٰنِيِّكُمْ } إلخ.

وعن الضحاك وأبي صالح نحو ذلك بل روى ابن جرير نحوه عن ابن عباس رضي الله عنهما، وذكروا أن الآيات الثلاث نزلت في ذلك.

الأستاذ الإمام: يقال في سبب النزول إنه اجتمع نفر من المسلمين واليهود والنصارى وتكلم كل في تفضيل دينه فنزل قوله تعالى: { لَّيْسَ بِأَمَـٰنِيِّكُمْ وَلاۤ أَمَانِيِّ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ } الآية والمعنى بناء على ذلك: ليس شرف الدين وفضله ولا نجاة أهله به إن يقول القائل منهم: إن ديني أفضل وأكمل وأحق وأثبت، وإنما عليه إذا كان موقناً به أن يعمل بما يهديه إليه فإن الجزاء إنما يكون على العمل لا على التمني والغرور، فلا أمر نجاتكم أيها المسلمون منوطاً بأمانيكم في دينكم، ولا أمر نجاة أهل الكتاب منوطاً بأمانيهم في دينهم، فإن الأديان ما شرعت للتفاخر والتباهي، ولا تحصل فائدتها بمجرد الانتماء إليها والتمدح بها بلوك الألسنة والتشدق في الكلام، بل شرعت للعمل.

قال: والآية مرتبطة بما قبلها سواء صح ما روي في سبب نزولها أم لم يصح لأن قوله تعالى:يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ } [النساء: 120] في الآيات التي قبلها يدخل فيه الأمانيّ التي كان يتمناها أهل الكتاب غروراً بدينهم إذ كانوا يرون إنهم شعب الله الخاص ويقولون إنهم أبناء الله وأحباؤه وأنه لن تمسهم النار إلا أياماً معدودة، وأنه لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى، وغير ذلك مما يقولون ويدعون.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8