الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَهِنُواْ فِي ٱبْتِغَآءِ ٱلْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ ٱللَّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً }

روى ابن جرير إن عكرمة قال نزلت هذه الآية في غزوة أحد كما نزل فيهاإِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ ٱلْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ } [آل عمران: 140] حين باتوا مثقلين بالجراح. أقول وقبل آية آل عمران هذهوَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ } [آل عمران: 139] فالظاهر أن عكرمة ذكر مسألة أحد رواية عن ابن عباس واستنبط من موافقة معنى الآية التي نحن بصدد تفسيرها لآية آل عمران إنها نزلت مثلها في غزوة أحد.

ثم جاء الجلال فنقل رأي عكرمة بالمعنى من غير عزو فأخطأ في تصويره إذ قال إنها نزلت: " لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم طائفة في طلب أبي سفيان وأصحابه لما رجعوا من أحد فشكوا الجراحات " وقد رد قوله الأستاذ الإمام في الدرس فقال: المعروف في القصة إن الصحابة رضي الله عنهم كانوا بعد غزوة أحد يرغبون اقتفاء أثر أبي سفيان على إثقالهم بالجراح. ولا حاجة في فهم الآية إلى ما ذكر بل هو مناف للأسلوب البليغ إذ القصة ذكرت في سورة آل عمران تامة وهذه جاءت في سياق أحكام أخرى.

ثم قال: كان الكلام فيما سبق في شأن الحرب وما يقع فيها وبيان كيفية الصلاة في أثنائها وما يراعى فيها إذا كان العدو متأهباً للحرب من اليقظة وأخذ الحذر وحمل السلاح في أثنائها. وبين للمؤمنين في هذا السياق شدة عداوة الكفار لهم وتربصهم غفلتهم وإهمالهم ليوقعوا بهم.

بعد هذا نهى عن الضعف في لقائهم، وأقام الحجة على كون المشركين أجدر بالخوف منهم، لأن ما في القتال والاستعداد له من الألم والمشقة يستوي فيه المؤمن والكافر، ويمتاز المؤمن بأن عنده من الرجاء بالله ما ليس عند الكافر، فهو يرجو منه النصر الذي وعد به، ويعتقد إنه قادر على إنجاز وعده، ويرجو ثواب الآخرة على جهاده لأنه في سبيل الله، وقوة الرجاء تخفف كل ألم وربما تذهل الإنسان عنه وتنسيه إياه. اهـ.

أقول: فالآية تفسر هكذا { وَلاَ تَهِنُواْ فِي ٱبْتِغَآءِ ٱلْقَوْمِ } أي عليكم بالعزيمة وعلو الهمة مع أخذ الحذر والاستعداد حتى لا يلمّ بكم الوهن (وهو الضعف مطلقاً أو في الخلق أو الخلق كما قال الراغب) في ابتغاء القوم الذين ناصبوكم العداوة أي طلبهم، فهو أمر بالهجوم بعد الفراغ من الصلاة، بعد الأمر بأخذ الحذر وحمل السلاح عند أدائها، وذلك أن الذي يلتزم الدفاع في الحرب تضعف نفسه وتهن عزيمته، والذي يوطن نفسه على المهاجمة تعلو همته وتشتد عزيمته، فالنهي عن الوهن نهي عن سببه، وأمر بالأعمال التي تضاده فتحول دون عروضه، { إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ } لأنهم بشر مثلكم، يعرض لهم من الوجع والألم مثل ما يعرض لكم، لأن هذا من شأن الأجسام الحية المشترك بينكم وبينهم.

السابقالتالي
2