الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي ٱلأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ ٱلصَّلَٰوةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِنَّ ٱلْكَافِرِينَ كَانُواْ لَكُمْ عَدُوّاً مُّبِيناً } * { وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ ٱلصَّلَٰوةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُوۤاْ أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُواْ فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَآئِكُمْ وَلْتَأْتِ طَآئِفَةٌ أُخْرَىٰ لَمْ يُصَلُّواْ فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَّيْلَةً وَاحِدَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُمْ مَّرْضَىۤ أَن تَضَعُوۤاْ أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُواْ حِذْرَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً } * { فَإِذَا قَضَيْتُمُ ٱلصَّلَٰوةَ فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىٰ جُنُوبِكُمْ فَإِذَا ٱطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَٰوةَ إِنَّ ٱلصَّلَٰوةَ كَانَتْ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ كِتَٰباً مَّوْقُوتاً }

(صلاة السفر والخوف).

السياق في أحكام الجهاد في سبيل الله وجاء فيه حكم الهجرة. والصلاة فرض لازم في كل حال لا يسقط في وقت القتال ولا في أثناء الهجرة ولا غير الهجرة من أيام السفر ولكن قد تتعذر أو تتعسر في السفر وحال الحرب إقامتها فرادى وجماعة كما أمر الله تعالى إن تقام في صورتها ومعناها، فناسب في هذا المقام أن يبين الله تعالى ما يريد أن يرخص لعباده فيه من القصر من الصلاة في هاتين الحالتين فقال.

{ وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي ٱلأَرْضِ } الضرب في الأرض عبارة عن السفر فيها لأن المسافر يضرب الأرض برجليه وعصاه أو بقوائم راحلته، كما يقال طرق الأرض إذا مر بها كأنه ضربها بالمطرقة ومنه الطريق أي السبيل المطروق. وقال هاهنا ضربتم في الأرض ولم يقل { ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } كما قال في الآية (94) من هذه السورة الواردة في حكم إلقاء السلام في الحرب لأن هذه أعمّ فهي رخصة لكل مسافر ولو لم يكن سفره في سبيل الله للدفاع عن الحق وإقامة الدين بأن كان للتجارة أو لمجرد السياحة مثلاً، وإذا كان السفر في سبيل الله فالمسافر أحق بالرخصة وهي له أولاً وبالذات بقرينة السياق وما جاء في الآية التي بعد هذه { فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ ٱلصَّلَٰوةِ } أي فليس عليكم تضييق ولا ميل عن محجة دين الله (وهو الحنيفية السمحة) في القصر من الصلاة. والجناح فسر بالإثم والتضييق وبالميل عن الاستواء قيل هو من جنحت السفينة إذا مالت إلى أحد جانبيها قاله الراغب وهو الذي فسر جنوح السفينة بما ذكر، وفسره غيره بأنه عبارة عن بلوغها أرضاً رقيقة تغرز فيها ويمتنع جريها، وهذا المعنى يناسب الجناح أيضاً على إن الجنوح معناه الميل وهو من الجنح بالكسر بمعنى الجانب.

ومن فسر الجناح بالتضييق أخذه من قولهم جنح البعير (بصيغة المجهول) إذا انكسرت جوانحه (أضلاعه) لثقل حمله، وتفسيره بالإثم مأخوذ من هذا أيضاً وهو مجاز. والقصر (بالفتح) من القصر (كعنب) ضد الطول وقصرت الشيء جعلته قصيراً.

فالقصر من الصلاة هو ترك شيء منها تكون به قصيرة ويصدق بترك بعض ركعاتها وبترك بعض أركانها كالركوع والسجود والجلوس للتشهد. واختلف العلماء في هذه الآية فقيل إن المراد بالقصر من الصلاة فيها ترك بعض ركعاتها وهي صلاة السفر التي تقصر فيها الرباعية فقط فتصلي ثنتين، وقيل بل المراد به صلاة الخوف مطلقاً أو كيفية من كيفياتها وهي المبينة في الآية التي بعد هذه. وقيل بل المراد بها القصر من هيئتها لا من ركعاتها، وقيل بل القصر من العدد والأركان جميعاً. وجمع المحقق ابن القيم في الهدي النبوي بين الأقوال فقال في فصل صلاة الخوف:

وكان من هديه صلى الله عليه وسلم في صلاة الخوف إن أباح الله سبحانه وتعالى قصر أركان الصلاة وعددها إذا اجتمع الخوف والسفر.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد