الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَآءً وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِ وَٱلأَرْحَامَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً }

قال الأستاذ الإمام: افتتح سبحانه السورة بتذكير الناس المخاطبين بأنهم من نفس واحدة فكان هذا تمهيداً وبراعة مطلع لما في السورة من أحكام القرابة بالنسب والمصاهرة وما يتعلق بذلك من أحكام الأنكحة والمواريث فبين القرابة العامة بالإجمال ثم ذكر الأرحام، وشرع بعد ذلك في تفصيل الأحكام المتعلقة بها.

وسميت سورة النساء لأنها افتتحت بذكر النساء، وبعض الأحكام المتعلقة بهن، وقوله تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ } خطاب عام ليس خاصاً بقوم دون قوم فلا وجه لتخصيصها بأهل مكة كما فعل المفسر (الجلال) لاسيما مع العلم بأن السورة مدنية إلا آية واحدة فيها شك، هل هي مدنية أم مكية. ولفظ " الناس " إسم لجنس البشر، قيل أصله " أناس " فحذفت الهمزة عند إدخال الألف واللام عليه.

أقول: وقد عزا الرازي القول بأن الخطاب لأهل مكة إلى ابن عباس رضي الله عنه وقال وأما الأصوليون من المفسرين فقد اتفقوا على أن الخطاب عام لجميع المكلفين وهذا هو الأصح، وأيده بثلاثة وجوه: كون اللام في الناس للإستغراق وكون جميعهم مخلوقين ومأمورين بالتقوى. وأذكر أن أقدم عبارة سمعتها في التفسير فوعيتها وأنا صغير عن والدي رحمه الله هي قوله إن الله تعالى كان ينادي أهل مكة بقوله { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ } وأهل المدينة بقوله: { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ } ولم يناد الكفار بوصف الكفر إلا مرة واحدة في سورة التحريميٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لاَ تَعْتَذِرُواْ ٱلْيَوْمَ } [التحريم: 7] وهذا إخبار عما ينادون به في الآخرة. وأقول: إن كلمة " يا أيها الناس " كثيرة في السور المكية كالأعراف ويونس والحج والنمل والملائكة، ووردت أيضاً في البقرة والنساء والحجرات من السور المدنية فخطاب أهل مكة فيها هو الغالب وهو مع ذلك يعم غيرهم وورودها في السور المدنية يراد به خطاب جميع المكلفين ابتداءً، وما أظن أن ابن عباس قال في فاتحة النساء أنها خطاب لأهل مكة، بل يوشك أن يكون قد قال نحواً مما رويناه آنفاً عن الوالد فتصرف فيه الناقلون وحملوه على كل فرد من أفراد هذا الخطاب حتى غلط فيه الجلال السيوطي في التفسير وإن حقق في الإتقان أن السورة مدنية. وقوله: { ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ } قد تقدم مثله كثيراً وآخره في آخر السورة السابقة والمناسبة بين الأمر بتقوى رب الناس ومغذيهم بنعمه وبين وصفه بقوله { ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ } ظاهرة فإن الخلق أثر القدرة ومن كان متصفاً بهذه القدرة العظيمة جدير بأن يتقى ويحذر عصيانه، كذا قال بعضهم، قال الأستاذ الإمام: وأحسن من هذا أن يقال إن هذا تمهيد لما يأتي من أحكام اليتامى ونحوها كأنه يقول: يا أيها الناس خافوا الله واتقوا اعتداء ما وضعه لكم من حدود الأعمال، واعلموا أنكم أقرباء يجمعكم نسب واحد وترجعون إلى أصل واحد، فعليكم أن تعطفوا على الضعيف كاليتيم الذي فقد والده وتحافظوا على حقوقه.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد