الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ٱزْدَادُواْ كُفْراً لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلضَّآلُّونَ } * { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ ٱلأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ ٱفْتَدَىٰ بِهِ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ }

{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ } وشهادتهم أنّ الرسول حقّ { ثُمَّ ٱزْدَادُواْ كُفْراً } بمقاومة الحقّ وإيذاء الرسول والصدّ عن سبيل الله بالكيد والتشكيك وبالحرب والكفاح، أو الكلام على عمومه لا يختصّ بأولئك الذين سبق ذكرهم، فازدياد الكفر عبارة عمّا ينميه ويقويه من الأعمال التي يقاوم بها الإيمان، فالكفر يزداد قوّة واستقراراً وتمكّناً بالعمل بمقتضاه، كما أنّ الإيمان كذلك. وقوله: { لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ } يعدّونه من المشكلات، إذ هو مخالف في الظاهر للآية السابقة ولمثل قوله:وَهُوَ ٱلَّذِي يَقْبَلُ ٱلتَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ } [الشورى: 25] فقال القاضي والقفّال وابن الأنباري: أنّه تعالى لمّا قدّم ذكر من كفر وبيّن أنّه أهل اللعنة إلاّ أن يتوب ذكر في هذه الآية أنّه لو كفر مرّة أخرى بعد تلك التوبة فإنّ التوبة الأولى تصير غير مقبولة حتّى كأنّها لم تكن. ويكون التقدير في الآية وما قبلها:إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [آل عمران: 89]. فإن كانوا كذلك ثمّ ازدادوا كفراً لن تقبل توبتهم. اهـ. من التفسير الكبير بتصرف. وفيه أن هذا الوجه أليق بالآية من كلّ الوجوه وإنّه مطرد في الآية سواء حملت على المعهود السابق أو على الاستغراق. وفي الكشّاف أنّ عدم قبول توبتهم كناية عن موتهم على الكفر. وقال البيضاوي: " لن تقبل توبتهم " لأنّهم لا يتوبون، أو لا يتوبون إلاّ إذا أشفوا على الهلاك فكنّى عن عدم توبتهم بعدم قبولها تغليظاً في شأنهم وإبراز حالهم في صورة الآيسين من الرحمة، أو لأنّ توبتهم لا تكون إلاّ نفاقاً لإرتدادهم وزيادة كفرهم، ولذلك لم يدخل الفاء فيه. اهـ. واختار ابن جرير إنّ الكلام في أهل الكتاب الذين تقدّم ذكرهم وأنّ المراد بالتوبة التوبة عن الذنوب فهي لا تنفعهم مع بقائهم على الكفر بالنبي صلى الله عليه وسلم. وروي في الآية عدّة روايات وقال عن هذا الذي قلنا إنّه اختاره إنّه أولاها بالصواب قال: وإنّما قلنا ذلك أولى الأقوال في هذه الآية بالصواب لأنّ الآيات قبلها وبعدها فيهم نزلت فأولى أن تكون هي في معنى ما قبلها وبعدها إذا كانت في سياق واحد، وإذ كان ذلك كذلك وكان من حكم الله في عباده أنّه قابل توبة كلّ تائب من كلّ ذنب وكان الكفر بعد الإيمان أحد تلك الذنوب التي وعد قبول التوبة منها بقوله:إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [آل عمران: 89] علم إنّ المعنى الذي لا تقبل التوبة منه غير المعنى الذي تقبل التوبة منه. وإذ كان ذلك كذلك فالذي لا تقبل التوبة منه هو الازدياد على الكفر بعد الكفر لا يقبل الله توبة صاحبه ما أقام على كفره لأنّ الله لا يقبل من مشرك عملاً ما أقام على شركه وضلاله.

السابقالتالي
2 3 4 5