الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ كَيْفَ يَهْدِي ٱللَّهُ قَوْماً كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوۤاْ أَنَّ ٱلرَّسُولَ حَقٌّ وَجَآءَهُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } * { أُوْلَـٰئِكَ جَزَآؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ ٱللَّهِ وَٱلْمَلاۤئِكَةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ } * { خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ ٱلْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ } * { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

روى النسائي وابن حبّان والحاكم عن ابن عبّاس قال: " كان رجل من الأنصار أسلم ثمّ ارتد ثمّ ندم فأرسل إلى قومه أرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل لي من توبة؟ فنزلت { كَيْفَ يَهْدِي ٱللَّهُ قَوْماً كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ } إلى قوله: { فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ } فأرسل إليه قومه فأسلم " وأخرج مسدد في مسنده عن عبد الرزاق عن مجاهد قال جاء الحارث بن سويد فأسلم مع النبي صلى الله عليه وسلم ثمّ كفر، فرجع إلى قومه فأنزل الله { كَيْفَ يَهْدِي ٱللَّهُ قَوْماً } إلى قوله: { غَفُورٌ رَّحِيمٌ } فحملها إليه رجل من قومه فقرأها عليه فقال الحارث: إنّك والله ما علمت لصدوق وإنّ رسول الله لأصدق منك وإنّ الله لأصدق الثلاثة: فرجع فأسلم وحسن إسلامه. اهـ. من لباب النقول. وفي روح المعاني: أخرج عبد بن حميد وغيره عن الحسن أنّهم أهل الكتاب من اليهود والنصارى رأوا نعت محمّد في كتابهم وأقرّوا وشهدوا أنّه حقّ فلما بعث من غيرهم حسدوا العرب على ذلك فأنكروه وكفروا بعد إقرارهم حسداً للعرب حين بعث من غيرهم. وأخرج ابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عبّاس مثله. وقال عكرمة: هم أبو عامر الراهب والحارث بن سويد في إثني عشر رجلاً رجعوا عن الإسلام ولحقوا بقريش، ثمّ كتبوا إلى أهلهم هل لنا من توبة؟ فنزلت الآية فيهم. قال الألوسي: وأكثر الروايات على هذا. وفي التفسير الكبير ثلاثة أقوال في سبب نزول الآية:

1- عن ابن عبّاس أنّها نزلت في رهط كانوا آمنوا ثمّ ارتدّوا ولحقوا بمكّة ثمّ أخذوا يتربّصون به ريب المنون فأنزل الله فيهم هذه الآية وكان فيهم من تاب فاستثنى التائب منهم بقوله: { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ }.

2- عنه أيضاً أنّها نزلت في يهود قريظة والنضير ومن دان بدينهم كفروا بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد أن كانوا مؤمنين به قبل مبعثه وكانوا يشهدون له بالنبوّة فلمّا بعث وجاءهم بالبيّنات كفروا بغياً وحسداً.

3- نزلت في الحارث بن سويد وتقدّم خبره.

أقول: إنّ الآيات متصلة بما قبلها. وذلك أنّه لمّا بيّن حقيقة الإسلام وأنّه دين الله الذي بعث به جميع الأنبياء والذي لا يقبل غيره من أحد ذكر حال الكافرين به وجزاءهم وأحكامهم وقد رآها أصحاب أولئك الروايات في سبب نزولها صادقة على من قالوا إنّها نزلت فيهم فذهبوا إلى ذلك. وأظهر تلك الروايات وأشدّها التئاماً مع السياق رواية من يقول إنّها نزلت في أهل الكتاب، وهو الذي اختاره ابن جرير والأستاذ الإمام وقال إنّ الكلام من أوّل السورة معهم.

أمّا قوله تعالى: { كَيْفَ يَهْدِي ٱللَّهُ قَوْماً كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ } فهو استبعاد لهداية هؤلاء - كما قال البيضاوي وإياس للنبي صلى الله عليه وسلم منهم.

السابقالتالي
2 3 4