الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَٱلأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَٱلنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } * { وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ ٱلإِسْلاَمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي ٱلآخِرَةِ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ }

كما ختم تعالى آية دعوة أهل الكتاب إلى الإسلام بقوله:فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ ٱشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } [آل عمران: 64] جاء هنا بعد ذكر توليتهم عن الإسلام يأمرنا بالإقرار به فقال مخاطباً لنبيّه صلى الله عليه وسلم: { قُلْ آمَنَّا بِٱللَّهِ } أي آمنت أنا ومن معي بوجود الله ووحدانيته وكماله { وَمَآ أُنزِلَ عَلَيْنَا } من كتابه بالتفصيل وهذه الآية نظير قوله تعالى:قُولُوۤاْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنْزِلَ إِلَيْنَا } [البقرة: 136] إلخ وقد عدى الإنزال هناك بإلى الدالّة على الغاية والإنتهاء وهنا بعلى التي للاستعلاء وكلا المعنيين صحيح كما قال في الكشاف رامياً بالتعسّف من فرق بين التعديتين باختلاف المأمور بالقول في الآيتين، إذ هو هناك المؤمنون وهاهنا النبي صلى الله عليه وسلم لأنّ التعدية بإلى وردت في خطاب النبي والتعدية بعلى وردت في خطاب غيره في آيات أخرى. وقدّم الإيمان بالله على الإيمان بإنزال الوحي لأنّه الأصل الأول المقصود بالذات، والوحي فرع له، إذ هو وحيه تعالى إلى رسله.

{ وَمَآ أُنزِلَ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَٱلأَسْبَاطِ } أي وآمنا بما أنزل على هؤلاء بالإجمال أي صدّقنا بأنّ الله تعالى أنزل عليهم وحياً لهداية أقوامهم، وأنّه موافق لما أنزل علينا في أصله وجوهره والقصد منه كما أخبرنا الله تعالى في مثل قوله:قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ } [الأعلى: 14] إلى آخر السورة وقوله:أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَىٰ * وَإِبْرَاهِيمَ } [النجم: 36-37] إلخ وقوله:إِنَّآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ كَمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ نُوحٍ وَٱلنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ } [النساء: 163] إلخ. وأمّا عين ما أوحي إليهم فلم يبق منه في أيدي الأمم شيء يعتمد على نقله. { وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ } من التوراة للأول والإنجيل للثاني، { وَ } ما أوتي { ٱلنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ } كداود وسليمان وأيّوب وغيرهم ممّن لم يقصّ الله علينا خبرهم، فإنّ منهم من قصّه علينا ومنهم من لم يقصصه فإذا ثبت عندنا أنّ نبيّاً ظهر في الهند أو الصين قبل ختم النبوّة نؤمن به. وارجع إلى آية البقرة في استبانة الفرق بين التعبير بالإنزال والتعبير بالإيتاء. قال الأستاذ الإمام: وقد قدّم الإيمان بما أُنزل علينا على الإيمان بما أنزل على من قبلنا مع كونه أنزل قبله في الزمن لأنّ ما أنزل علينا هو الأصل في معرفة ما أنزل عليهم والمثبت له، ولا طريق لإثباته سواه لإنقطاع سند تلك وفقد بعضها ووقوع الشكّ فيما بقي منها، فما أثبته كتابنا من نبوة كثير من الأنبياء نؤمن به إجمالاً فيما أجمل وتفصيلاً فيما فصّل، وما أثبته لهم من الكتب كذلك. ونؤمن بأنّ أصول ما جاءوا به واحدة وهي الإيمان بالله وإسلام القلوب له والإيمان بالآخرة والعمل الصالح مع الإخلاص. فكما أنّ الإيمان بالله أصل للإيمان بما أنزل علينا كذلك ما أنزل علينا أصل للإيمان بما أنزل عليهم فقدّم عليه { لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ } كما يفرّق أهل الكتاب.

السابقالتالي
2 3 4