الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ ٱلنَّبِيِّيْنَ لَمَآ آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذٰلِكُمْ إِصْرِي قَالُوۤاْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَٱشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُمْ مِّنَ ٱلشَّاهِدِينَ } * { فَمَنْ تَوَلَّىٰ بَعْدَ ذٰلِكَ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ } * { أَفَغَيْرَ دِينِ ٱللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ }

قال الإمام الرازي عند تفسير { وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ ٱلنَّبِيِّيْنَ } الآية: اعلم أنّ المقصود من هذه الآيات تعديد تقرير الأشياء المعروفة عند أهل الكتاب ممّا يدلّ على نبوّة محمّد صلى الله عليه وسلم، قطعاً لعذرهم وإظهاراً لعنادهم، ومن جملتها ما ذكره الله تعالى في هذه الآية. وهو أنّه تعالى أخذ الميثاق من الأنبياء الذين آتاهم الكتاب والحكمة بأنّهم كلّما جاءهم رسول مصدّق لما معهم آمنوا به ونصروه وأخبر أنّهم قبلوا ذلك. وحكم بأنّ من رجع عن ذلك كان من الفاسقين. فهذا هو المقصود من الآية. وقال الأستاذ الإمام: هذا رجوع إلى أصل الموضوع الذي إفتتحت السورة بتقريره وهو التنزيل، وكون الدين عند الله واحداً، وهو ما كان عليه إبراهيم وسائر النبيين، وكون الله تعالى مختاراً فيما يختص به بعض خلقه من مزية أو نبوّة. وقد سيقت تلك المسائل لإثبات نبوّة محمّد صلى الله عليه وسلم وإزالة شبهات من أنكر من أهل الكتاب بعثة نبي من العرب واستتبع ذلك محاجتهم وبيان خطأهم في ذلك وفي غيره من أمر دينهم. وهذه المسألة التي تقرّرها هذه الآية من الحجج الموجّهة إليهم لدحض مزاعمهم وهي أنّ الله تعالى أخذ الميثاق على جميع النبيين وعلى أتباعهم بالتبع لهم بأنّ ما يعطونه من كتاب وحكمة وإن عظم أمره فالواجب عليهم أن يؤمنوا بمن يرسل من بعدهم مصدّقاً لما معهم منه وأن ينصروه. أي فالآية متصلة بما قبلها بالنظر إلى أصل الموضوع.

أمّا أخذ الميثاق من المرء، وهو العهد الموثّق المؤكّد فهو عبارة عن كون المأخوذ منه وهو المعاهد (بكسر الهاء) يلتزم للآخذ وهو المعاهد (بفتح الهاء) أن يفعل كذا مؤكّداً ذلك باليمين أو بلفظ من المعاهدة أو المواثقة. وفي قوله: { مِيثَاقَ ٱلنَّبِيِّيْنَ } وجهان: أحدهما: أنّ معناه الميثاق من النبيين. فالنبيون هم المأخوذ عليهم. وعلى هذا يكون حكمه سارياً على أتباعهم بالأولى، كما قال الأستاذ الإمام. وثانيهما: أنّ إضافة ميثاق إلى النبيين على أنّهم أصحابه فهو مضاف إلى الموثّق لا إلى الموثّق عليه، كما تقول عهد الله وميثاق الله. وحينئذ يكون المأخوذ عليه مسكوتاً عنه للعلم به، وتقديره: وإذ أخذ الله ميثاق النبيين على أممهم، أو الخطاب لأهل الكتاب والمعنى: وإذ أخذ الله عليكم ميثاق النبيين الذين أرسلوا إلى قومكم، أو التقدير ميثاق أمم النبيين. وكلّ من القولين مروي عن السلف وممّن قال بالثاني من آل البيت جعفر الصادق قال هو على حدّ:يٰأيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ } [الطلاق: 1] فالخطاب فيه للنبي والمراد أمّته عامّة.

والمقصود من الوجهين أو الطريقين في تفسير العبارة واحد وهو أنّ الواجب على الأمم التي أوتيت الكتاب إذا جاءهم رسول مصدّق لما معهم أن يؤمنوا به وينصروه وجب ذلك عليهم بميثاق الله على أنبيائهم أو ميثاقه عليهم أنفسهم على لسان أنبيائهم.

السابقالتالي
2 3 4 5