الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيهُ ٱللَّهُ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحُكْمَ وَٱلنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَاداً لِّي مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَـٰكِن كُونُواْ رَبَّـٰنِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ ٱلْكِتَٰبَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ } * { وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ ٱلْمَلاَئِكَةَ وَٱلنَّبِيِّيْنَ أَرْبَاباً أَيَأْمُرُكُم بِٱلْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ }

أخرج ابن إسحاق والبيهقي عن ابن عبّاس قال: قال أبو رافع القرظي حين إجتمعت الأحبار من اليهود والنصارى من أهل نجران عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعاهم إلى الإسلام: أتريد يا محمّد أن نعبدك كما تعبد النصارى عيسى؟ قال: " معاذ الله " فأنزل الله في ذلك: { مَا كَانَ لِبَشَرٍ } إلى قوله { مُّسْلِمُونَ } وأخرج عبد الرزاق في تفسيره عن الحسن قال: بلغني أنّ رجلاً قال: يا رسول الله نسلّم عليك كما يسلّم بعضنا على بعض، أفلا نسجد لك؟ قال: " لا ولكن أكرموا نبيّكم واعرفوا الحقّ لأهله، فإنّه لا ينبغي أن يسجد لأحد من دون الله " فأنزل الله { مَا كَانَ لِبَشَرٍ } الآيتين. ذكر ذلك السيوطي في لباب النقول. وقال الأستاذ الإمام: إنّ ما روي من إنّ بعض الصحابة طلب أن يسجدوا للرسول هو من الروايات التي لم يق الله المسلمين شرّها ولا حاجة إليها في القرآن. فإنّ الآية متصلة بما قبلها فهي في سياق الردّ على أهل الكتاب إبطال لما ادّعاه بعضهم من أنّ لله تعالى إبناً أو أبناء حقيقة، وأنّ بعض الأنبياء أثبت ذلك لنفسه. وصرّح بأن هذه الدعوى ممّا يدخل في ليّ اللسان بالكتاب وتحريفه بالتأويل. ويصحّ أن تكون ردّاً على أصحاب هذه الدعوى ابتداءً مستأنفاً استئنافاً بيانياً كأنّ النفس تتشوّف بعد بيان حال فرق اليهود إلى بيان حال النصارى وما يدّعون في المسيح فجاءت الآيتان في ذلك. فقوله: { مَا كَانَ لِبَشَرٍ } نفي للشأن وهو أبلغ من نفي الوقوع خاصّة؛ لأنّه نفي للوقوع مع بيان السبب والدليل، وهو أنّ هذا غير ممكن { أَن يُؤْتِيهُ ٱللَّهُ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحُكْمَ } به والعمل بإرشاده قال في الكشّاف الحكم الحكمة التي هي السنّة، ووافقه الأستاذ الإمام قائلاً: إنّ عبارات الكتاب ربّما تذهب النفس فيها مذاهب التأويل، فالعمل هو الذي يقرّر الحقّ فيها. وقد تقدّم عنه تفسير الحكمة بفقه الكتاب ومعرفة أسراره وأنّ ذلك يستلزم العمل به، وإنّما قال: { وَٱلنُّبُوَّةَ } بعد قوله يؤتيه الله الكتاب لأنّ المرسل إليهم يقال إنّهم أوتوا الكتاب { ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَاداً لِّي } العباد جمع عبد بمعنى عابد، والعبيد جمع له بمعنى مملوك أي بأن تتّخذوني إلهاً أو ربّاً لكم { مِن دُونِ ٱللَّهِ } أي كائنين لي من دون الله أو كونوا عابدين لي من دونه. وقيل معناه حال كونكم متجاوزين الله تعالى أي متجاوزين ما يجب من إفراده بالعبادة وتخصيصه بالعبودية. وقطع أبو السعود بأنّ ذلك يصدق بعبادة غيره استقلالاً أو اشتراكاً وله عندي وجهان: أحدهما: أنّ العبادة الصحيحة لله تعالى لا تتحقّق إلا إذا خلصت له وحده فلم تشبها شائبة ما من التوجّه إلى غيره كما قال:

السابقالتالي
2 3