الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِٱلْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ ٱلْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }

قوله تعالى: { وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِٱلْكِتَابِ } بيان لحال طائفة أُخرى من أهل الكتاب، والجمهور على أنّ المراد بهذا الفريق بعض علماء اليهود الذين كانوا حوالي المدينة وإن كان التشنيع عليهم يتناول كلّ من كان على شاكلتهم منهم ومن غيرهم. ويروون عن ابن عبّاس (رضي الله عنهما) إنّ هذا الفريق هم اليهود الذين قدموا على كعب بن الأشرف أحد زعمائهم الملحين في عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإيذائه والإغراء به غيّروا التوراة وكتبوا كتاباً بدّلوا فيه صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذت قريظة ما كتبوه فخلطوه بالكتاب الذي عندهم وجعلوا يلوون ألسنتهم بقراءته يوهمون الناس أنّه من التوراة. وهذا العمل ينبئ بفساد اعتقادهم وعدم استمساكهم بكتابهم. وذلك أنّهم جعلوا الدين جنسية وصار الإنتصار له عندهم عبارة عن مقاومة من لم يكن من جنسهم وإن كان أقرب منهم إلى ما جاء في كتابهم، بل إنّهم يخرجون عن كتابهم ويحرّفونه لمقاومة الغريب ويعدّون ذلك انتصاراً له، وهكذا يفعل أشباههم من المسلمين اليوم. فقد يعدّون من أنصار الدين والمتعصّبين له من لا معرفة له بعقائده وأصوله ولا بفروعه إلاّ ما هو مشهور عن العامّة. ولا هو يعمل بما يعلم من ذلك - وإنّما يعدّونه كذلك إذا هو عادى من لا يعدّون من المسلمين ولو بسبب سياسي أو دنيوي لا علاقة له بالإسلام. بل يعدّون من أنصار الدين من يطعن في بعض المصلحين من المسلمين لمخالفتهم ما عليه العامّة والمقلّدون فيما يعدّونه من الإسلام لأنّهم اعتادوه لا لأنّ كتاب الله جاء به. وقد يحرّفون القرآن بالتأويل لتأييد تقاليدهم وبدعهم أو يعرضون عنه اعتذاراً بأنّهم غير مطالبين بأخذ دينهم منه بل من كلام العلماء.

أمّا: ليّ اللسان بالكتاب فهو فتله للكلام وتحريفه له بصرفه عن معناه إلى معنى آخر وقد وصف تعالى به اليهود في سورة النساء بقوله:مِّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَٱسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَٰعِنَا لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي ٱلدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَٱسْمَعْ وَٱنْظُرْنَا لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَقْوَمَ } [النساء: 46] فهذا مثال من ليّ اللسان بالكلام وإن لم يكن من الكتاب، ذلك أنّهم وضعوا كلمة " غير مسمع " مكان جملة " لا أسمعت مكروهاً " الدعائية التي تقال عادةً عند ذكر السماع. وكلمة " راعنا " مكان كلمة " انظرنا " التي يقولها الناس لمن يطلبون معونته ومساعدته وإنّما قالوا " غير مسمع " لأنّها تستعمل في الدعاء على المخاطب بمعنى " لا سمعت " وقالوا " راعنا " لأنّ هذه الكلمة عبرانية أو سريانية كانوا يتسابّون بها كما قال المفسّرون وسيأتي تفصيل ذلك في محلّه.

السابقالتالي
2