الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ وَدَّت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ } * { يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ } * { يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ ٱلْحَقَّ بِٱلْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ ٱلْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } * { وَقَالَتْ طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ آمِنُواْ بِٱلَّذِيۤ أُنْزِلَ عَلَى ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ ٱلنَّهَارِ وَٱكْفُرُوۤاْ آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } * { وَلاَ تُؤْمِنُوۤاْ إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ ٱلْهُدَىٰ هُدَى ٱللَّهِ أَن يُؤْتَىۤ أَحَدٌ مِّثْلَ مَآ أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَآجُّوكُمْ عِندَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ ٱلْفَضْلَ بِيَدِ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } * { يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ }

جاءت هذه الآيات بعد دعوة أهل الكتاب إلى الإسلام الذي كان عليه إبراهيم والأنبياء لبيان حالهم في ذلك. وقد قال المفسّرون: إنّ اليهود دعوا معاذاً وحذيفة وعمّاراً إلى دينهم، فأنزل الله { وَدَّت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ } الآية، ولا شكّ أنّهم كانوا أشدّ الناس حرصاً على إضلال المؤمنين سواء دعوا بعض الصحابة إلى دينهم أم لا. وليس الإضلال خاصّاً بالدعوة بل كانوا يلقون ضروباً من الشكّ في النفوس ليصدّوها عن الإسلام. من أغربها ما في الآية الآتية [72]. وكان النزاع بين الفريقين مستمراً وهو ما لا بدّ منه في وقت الدعوة، وقد قال تعالى في بيان حال هذه الطائفة المضلّلة: { وَمَا يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ } قال الأستاذ الإمام: معناه أنّهم بتوجّههم إلى الإضلال واشتغالهم به ينصرفون عن النظر في طرق الهداية وما أوتيه النبي صلى الله عليه وسلم من الآيات البيّنات على كونه نبيّاً هادياً. فهم يعبثون بعقولهم ويفسدون فطرتهم باختيارهم، ولا وجه لمن قال: إنّ معنى إضلال أنفسهم هو كون عاقبته شرّاً عليهم ووبالاً في الآخرة لأنّهم يعذّبون عليه فإنّ الكلام في المحاجّة وبيان اعوجاج طريقة المضلّين، وأمّا العقاب في الآخرة على الإضلال فهو مبين في مواضع من الكتاب وليس هذا محلّه، وهو لا يفيد هنا في الاحتجاج لأنّه إنذار لغير مؤمن بالنذير. ولكلّ مقام مقال. أقول: وقد أورد الرازي نحو ما قاله الأستاذ الإمام. ووجهاً ثالثاً هو أنّهم لمّا اجتهدوا في إضلال المؤمنين ثمّ إنّ المؤمنين لم يلتفتوا إليهم صاروا خائنين خاسرين، حيث اعتقدوا شيئاً ولاح لهم أنّ الأمر بخلاف ما تصوروه. ولكن ينافي هذا قوله: { وَمَا يَشْعُرُونَ } وهم قد شعروا بخيبتهم في الإضلال ولكنّهم لانهماكهم فيه لم يشعروا بأنّه كان صارفاً لهم عن معرفة الحقّ والهدى لأنّ المنهمك في الشيء لا يكاد يفطن لعواقبه وآثاره.

ثمّ إنّه تعالى ناداهم مبيّناً لهم حقيقة ما هم فيه من الضلال لعلّهم يلتفتون إلى أنفسهم التي شغلوا عنها بمحاولة إضلال غيرهم فقال: { يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ } ذهب الرازي إلى أنّ هذه الآية موجّهة إلى الطائفة العارفة بما في التوراة من دلائل نبوّة النبي صلى الله عليه وسلم وما قبلها موجّهة إلى غير العارفين بذلك، فآيات الله على هذا هي البشارات التي في التوراة ومثلها بشارات الإنجيل، واللفظ عام يشمل ما في الكتابين. والكفر بها عبارة عن عدم العمل بها. والمختار عندي أنّ الخطاب هنا موجّه إلى جميع أهل الكتاب، والآيات عامّة في كلّ ما يدلّ على نبوّة النبي صلى الله عليه وسلم وحقيقة ما جاء به من القرآن وغيره. وقد كانوا يشهدون هذه الآيات معنًى وحسّاً.

السابقالتالي
2 3 4 5 6