الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَآءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ ٱللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ ٱللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ ٱشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } * { يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لِمَ تُحَآجُّونَ فِيۤ إِبْرَاهِيمَ وَمَآ أُنزِلَتِ ٱلتَّورَاةُ وَٱلإنْجِيلُ إِلاَّ مِن بَعْدِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } * { هٰأَنْتُمْ هَؤُلاۤءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُم بِهِ عِلمٌ فَلِمَ تُحَآجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } * { مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } * { إِنَّ أَوْلَى ٱلنَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ وَهَـٰذَا ٱلنَّبِيُّ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلْمُؤْمِنِينَ }

لمّا بيّن جلّ شأنه القصص الحقّ في شأن عيسى والمختلفين فيه وأقام الحجّة العقلية على الغالبين فيه بجعله ربّاً وإلهاً، ثمّ ألزمهم من طريق الوجدان أو الضمير - كما يقال - بما دعاهم إلى المباهلة لم يبق إلا أن يأمر نبيّه بأن يدعوهم إلى الحقّ الواجب اتّباعه في الإيمان وذلك قوله: { قُلْ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَآءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ } الآية. قال الأستاذ الإمام: الكلام من أوّل السورة في إثبات نبوّة النبي صلى الله عليه وسلم والردّ على المنكرين. وقد ظهر بالدعوة إلى المباهلة إنقطاع حجاج المكابرين، ودلّ نكولهم عنها على أنّهم ليسوا على يقين من اعتقادهم ألوهية المسيح، وفاقد اليقين يتزلزل عندما يدّعى إلى شيء يخاف عاقبته. فلمّا نكلوا دعاهم إلى أمر آخر هو أصل الدين وروحه الذي اتّفقت عليه دعوة الأنبياء وهو سواء بين الفريقين أي عدل ووسط لا يرجّح فيه طرف على آخر. وقد فسّره بقوله: { أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ ٱللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ ٱللَّهِ } أقول المراد بهذا تقرير وحدانية الألوهية ووحدانية الربوبية، وكلاهما متّفق عليه بين الأنبياء، فقد كان إبراهيم موحّداً صرفاً. وقد كان الأساس الأول لشريعة موسى قول الله له: " إنّ الربّ إلهك لا يكن لك آلهة أخرى، أمامي لا تصنع لك تمثالاً منحوتاً ولا صورة ما ممّا في السماء من فوق، وممّا في الأرض من تحت وما في الماء من تحت الأرض لا تسجد لهنّ ولا تعبدهنّ " وعلى هذا درج جميع أنبياء بني إسرائيل حتّى المسيح عليه وعليهم الصلاة والسلام وهم لا يزالون ينقلون عنه في إنجيل يوحنا قوله: (ير 17: 3) وهذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته " وغير ذلك من عبارات التوحيد، وكان يحتجّ على اليهود بعدم إقامتهم ناموس موسى (شريعته) وهو لم ينسخ من هذا الناموس إلاّ بعض الرسوم الظاهرة والتشديدات في المعاملة، أمّا الوصايا العشر - ورأسها التوحيد والنهي عن الشرك - فلم ينسخ منها شيئاً. قال الأستاذ الإمام: المعنى أنّنا نحن وإيّاكم على اعتقاد أنّ العالم من صنع إله واحد، والتصرّف فيه لإله واحد، وهو خالقه ومدبّره وهو الذي يعرفنا على ألسنة أنبيائه ما يرضيه من العمل وما لا يرضيه فتعالوا بنا نتفق على إقامة هذه الأصول المتّفق عليها ورفض الشبهات التي تعرض لها، حتّى إذا سلمنا أنّ فيما جاءكم من نبأ المسيح شيئاً فيه لفظ ابن الله خرّجناه جميعاً على وجه لا ينقض الأصل الثابت العام الذي اتّفق عليه الأنبياء. فإن سلّمنا أنّ المسيح قال إنّه ابن الله قلنا هل فسّر هذا القول بأنّه إله يعبد؟ وهل دعا إلى عبادته وعبادة أمّه، أم كان يدعو إلى عبادة الله وحده؟ لا شكّ أنكم متّفقون معنا على أنّه كان يدعو إلى عبادة الله وحده والإخلاص له بالتصريح الذي لا يقبل التأويل.

السابقالتالي
2 3 4 5