الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قَالَتِ ٱلْمَلاَئِكَةُ يٰمَرْيَمُ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَـٰكِ وَطَهَّرَكِ وَٱصْطَفَـٰكِ عَلَىٰ نِسَآءِ ٱلْعَـٰلَمِينَ } * { يٰمَرْيَمُ ٱقْنُتِي لِرَبِّكِ وَٱسْجُدِي وَٱرْكَعِي مَعَ ٱلرَّاكِعِينَ } * { ذٰلِكَ مِنْ أَنَبَآءِ ٱلْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ }

قوله تعالى: { وَإِذْ قَالَتِ ٱلْمَلاَئِكَةُ } معطوف على قوله:إِذْ قَالَتِ ٱمْرَأَتُ عِمْرَانَ } [آل عمران: 35] متعلّق بقوله قبله:وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } [آل عمران: 34] وهذا الخطاب ليس بشرع خصّت به وإنّما هو إلهام بمكانتها عند الله ربما يجب عليها من الشكر بدوام القنوت والصلاة ومن اعتقد إنّه مكرّم إجتهد في المحافظة على كرامته وتباعد أشدّ التباعد عن كلّ ما ينقص منها فقول الملائكة لها { يٰمَرْيَمُ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَـٰكِ وَطَهَّرَكِ وَٱصْطَفَـٰكِ عَلَىٰ نِسَآءِ ٱلْعَـٰلَمِينَ } قد زادها بمقتضى سنّة الفطرة تعلّقاً بالكمال كما زادها روحانية بتأثير تلك الأرواح الطيّبة التي أمدّت روحها الطاهرة. والإصطفاء الأول هو قبولها محرّرة لخدمة الله في بيته وكان ذلك خاصّاً بالرجال والتطهير قد فسّر بعدم الحيض وبذلك كانت أهلاً لملازمة المحراب وهو أشرف مكان في المعبد. وروي أنّ السيّدة فاطمة الزهراء ما كانت تحيض وأنّها لذلك لقّبت بالزهراء. وقال الجلال إنّه التطهير من مسيس الرجال واختار الأستاذ الإمام حمله على ما هو أعمّ من هذا وذاك، أي طهّرك ممّا يستقبح كسفساف الأخلاق وذميم الصفات وغير ذلك. والإصطفاء الثاني ما اختصّت به من خطاب الملائكة وكمال الهداية. وقال الأستاذ الإمام: هو جعلها تلد نبيّاً من غير أن يمسّها رجل، فهو على هذا إصطفاء لم يكن قد تحقّق بالفعل بل بالإعداد والتهيئة. وبحثوا هنا في قوله: { عَلَىٰ نِسَآءِ ٱلْعَـٰلَمِينَ } هل المراد به عالموا زمانها - كما يقال أرسطو أعظم الفلاسفة ويفهم منه فلاسفة زمانه أو أُمّته - أم جميع العالمين. وفي الأحاديث إنّ أفضل النساء مريم بنت عمران وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمّد صلى الله عليه وسلم ورضي عنهنّ.

{ يٰمَرْيَمُ ٱقْنُتِي لِرَبِّكِ } أي الزمي طاعته مع الخضوع له { وَٱسْجُدِي وَٱرْكَعِي مَعَ ٱلرَّاكِعِينَ } السجود التطامن والتذلّل، والركوع والإنحناء ويستعمل في لازمه وسببه وهو التواضع والخشوع في العبادة أو غيرها. وركوعها مع الراكعين عبارة عن صلاتها مع المصلّين في المعبد وقد كانت ملازمة لمحرابه كما تقدّم. وقد أطلق الركوع والسجود في صلاتنا على العمل المعلوم وهو استعمال للفظ في حقيقته ومجازه إذ الدين يطالبنا بالخشوع واستشعار التواضع في هذا الإنحناء والتطامن ولم تكن صلاة اليهود كصلاتنا في أعمالها وصورتها، ولكنهم طولبوا فيها بمثل ما طولبنا من الخشوع والتذلّل لله تعالى.

{ ذٰلِكَ } الذي قصصناه عليك يا محمّد من أخبار مريم وزكريا { مِنْ أَنَبَآءِ ٱلْغَيْبِ } لم تشهده أنت ولا أحد من قومك، ولم تطلع على شيء منه في الكتاب وإنّما نحن { نُوحِيهِ إِلَيكَ } بإنزال الروح الأمين الذي خاطب مريم وزكريا بما خاطبهما به على قلبك وإلقائه في روعك خبر ما وقع بين بني إسرائيل في ذلك وغير ذلك.

السابقالتالي
2 3