الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ لاَّ يَتَّخِذِ ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلْكَافِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ ٱللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَـٰةً وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْمَصِيرُ } * { قُلْ إِن تُخْفُواْ مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ ٱللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوۤءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدَاً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفْسَهُ وَٱللَّهُ رَؤُوفٌ بِٱلْعِبَادِ }

قال الأستاذ الإمام: ما مثاله جاء قوله تعالى: { لاَّ يَتَّخِذِ ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلْكَافِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } بعد تلك الآية التي نبّه الله فيها النبي والمؤمنين إلى الإلتجاء إليه معترفين أنّ بيده الملك والعزّ ومجامع الخير والسلطان المطلق في تصريف الكون يعطي من يشاء ويمنع من يشاء. فإذا كانت العزّة والقوّة له عز شأنه فمن الجهل والغرور أن يعتزّ بغيره من دونه، وأن يلتجأ إلى غير جنابه، أو يذلّ المؤمن في غير بابه، وقد نطقت السير بأنّ بعض الذين كانوا يدخلون في الإسلام كان يقع منهم قبل الإطمئنان بالإيمان اغترار بعزة الكافرين وقوّتهم وشوكتهم، فيوالونهم ويركنون إليهم وهذا أمر طبيعي في البشر.

قال وذكروا في سبب نزول الآية أنّها نزلت في حاطب بن أبي بلتعة. وقصّته معروفة. وقيل إنّها نزلت في ابن أبي ابن سلول (زعيم المنافقين) وقيل في جماعة من الصحابة كانوا يوالون بعض اليهود، ومهما كان السبب في نزولها فإنّا نعلم أن من طبيعة الإجتماع في كلّ دعوة أن يوجد في المستجيبين لها القوي والضعيف، على أنّ مظاهر القوّة والعزّة تغرّ بعض الصادقين وتؤثّر في نفوس بعض المخلصين فما بالك بغيرهم؟ ولذلك نهى الله تعالى المؤمنين عن اتّخاذ الأولياء من الكافرين. وقد ورد بمعنى هذه الآية آيات أخرى فلا بدّ من تفسيرها تفسيراً تتفق به معانيها.

أقول: قصّة حاطب التي أشار إليها مسندة في الصحيحين وغيرهما وملخّصها: " أنّ حاطبا كتب كتاباً لقريش يخبرهم فيه باستعداد النبي صلى الله عليه وسلم للزحف على مكّة إذ كان يتجهّز لفتحها وكان يكتم ذلك ليبغت قريشاً على غير استعداد منها فتضطر إلى قبول الصلح وما كان يريد حرباً. وأرسل حاطب كتابه مع جارية وضعته في عقاس شعرها فأعلم الله نبيّه بذلك، فأرسل في أثرها علياً والزبير والمقداد وقال: " انطلقوا حتّى تأتوا روضة خاخ فإنّ بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها " فلمّا أتي به قال: " يا حاطب ما هذا؟ " فقال: يا رسول الله لا تعجّل علي! إنّي كنت حليفاً لقريش ولم أكن من أنفسها وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون أهليهم وأموالهم فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتّخذ عندهم يداً يحمون بها قرابتي، ولم أفعله إرتداداً عن ديني ولا رضاً بالكفر بعد الإسلام. فقال عليه الصلاة والسلام: " أما إنّه قد صدقكم " واستأذن عمر النبي صلى الله عليه وسلم في قتله فلم يأذن له " قالوا وفي ذلك نزل قوله تعالى:يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَآءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِٱلْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُواْ بِمَا جَآءَكُمْ مِّنَ ٱلْحَقِّ يُخْرِجُونَ ٱلرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ رَبِّكُمْ }

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7