الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ قُلِ ٱللَّهُمَّ مَالِكَ ٱلْمُلْكِ تُؤْتِي ٱلْمُلْكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ ٱلْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَآءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ بِيَدِكَ ٱلْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { تُولِجُ ٱللَّيْلَ فِي ٱلْنَّهَارِ وَتُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلْلَّيْلِ وَتُخْرِجُ ٱلْحَيَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ ٱلَمَيِّتَ مِنَ ٱلْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَن تَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ }

روي عن قتادة أنّ النبي صلى الله عليه وسلم سأل ربّه أن يجعل ملك فارس والروم في أمّته فنزل قوله تعالى: { قُلِ ٱللَّهُمَّ مَالِكَ ٱلْمُلْكِ تُؤْتِي ٱلْمُلْكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ ٱلْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَآءُ } وقال الأستاذ الإمام ما معناها: إنّ الكلام متصل بما قبله صحّ ما قيل في سبب النزول أم لم يصحّ. والكلام في حال النبي صلى الله عليه وسلم مع من خوطبوا بالدعوة من المشركين وأهل الكتاب، فالمشركون كانوا ينكرون النبوّة لرجل يأكل الطعام ويمشي في الأسواق، كما أنكر أمثالهم على الأنبياء قبله. وأهل الكتاب كانوا ينكرون أن يكون نبي من غير آل إسرائيل وقد عهد في غير موضع من القرآن تسلية النبي صلى الله عليه وسلم في مقام بيان عناد المنكرين ومكابرة الجاحدين وتذكيره بقدرته تعالى على نصره وإعلاء كلمة دينه، فهذه الآية من هذا القبيل. كأنّه يقول له: إذا تولّى هؤلاء الجاحدون عن بيانك، ولم ينظروا في برهانك. وظلّ المشركون منهم على جهلهم، وأهل الكتاب في غرورهم، فعليك أن تلجأ إلى الله تعالى وترجع إليه بالدعاء والثناء، وتتذكّر أنّه بيده الأمر يفعل ما يشاء، وهذا يناسب ما تقدّم في الردّ على نصارى نجران من أمره بالإلتجاء إليه سبحانه بقوله:فَإنْ حَآجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ للَّهِ } [آل عمران: 20].

قال: وعلى هذا التفسير يصحّ أن يكون الملك بمعنى النبوّة أو لازمها ولا شكّ أنّ النبوّة ملك كبير لأنّ سلطانها على الأجساد والأرواح، على الظاهر والباطن، قال تعالى:فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَٰهِيمَ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُّلْكاً عَظِيماً } [النساء: 54] فإن لم يكن هذا الملك عين النبوّة فهو لازمها ونزع الملك على هذا القول عبارة عن نزعه من الأمّة التي كان يبعث فيها الأنبياء، كأمّة إسرائيل فقد نزعت منها النبوّة ببعثة النبي صلى الله عليه وسلم، ويمكن أن يفسّر النزع هنا بالحرمان فإنّه تعالى يعطي النبوّة من يشاء ويحرم منها من يشاء. فإن قيل إنّ النزع إنّما يكون لشيء قد وجد صحّ أن يجاب عنه بأنّ هذا على حدّ قوله تعالى حكاية عن لسان الرسلقَدِ ٱفْتَرَيْنَا عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا ٱللَّهُ مِنْهَا } [الأعراف: 89] فإنّهم لم يكونوا في ملّتهم، إذ يستحيل الكفر على الأنبياء. هذا سياقه وقد تبع فيه الإمام الرازي إلاّ أنّه زاد عليه كلمة " أو لازمها " والتمثيل غير ظاهر على المعنى الثاني والآية حكاية عن شعيب عليه السلام وهي جواب عن قول قومه:لَنُخْرِجَنَّكَ يٰشُعَيْبُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَآ أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا } [الأعراف: 88] فهم قد طلبوا منه وممّن آمن معه أن يعودوا في ملّتهم وكان أولئك المؤمنون في ملّتهم، ففي جوابه عليه السلام تغليب للأكثر وهو متعيّن.

السابقالتالي
2 3 4 5