الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ ٱلْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَىٰ كِتَابِ ٱللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّىٰ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُمْ مُّعْرِضُونَ } * { ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } * { فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ }

كان سابق الكلام في تقرير التوحيد وإقامة الدلائل عليه وعلى الحشر وبيان ثواب العاملين، وقيام الحجّة على المعاندين، لأنّ البلاغ قد أوضح المحجّة للناس، فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولّوا فحسابهم على الله تعالى. ثّم ذكر أشدّ ما كان من أهل الكتاب الذين تولّوا عن الدعوة من قبل إذ كانوا يقتلون الأنبياء والآمرين بالقسط، وفي ذلك تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم وكان يحزنه إعراضهم، ولذلك التفت إلى خطابه بأعجب شأنهم في الدين لذلك العهد فقال: { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ ٱلْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَىٰ كِتَابِ ٱللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّىٰ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُمْ مُّعْرِضُونَ } أخرج ابن أبي حاتم وابن المنذر عن عكرمة عن ابن عبّاس قال: " دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت المدراس على جماعة من يهود فدعاهم إلى الله، فقال له نعيم بن عمرو والحارث بن زيد: على أي دين أنت يا محمّد؟ قال على ملّة إبراهيم ودينه، قالا فإنّ إبراهيم كان يهودياً فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: فهلّما إلى التوراة فهي بيننا وبينكم " فأنزل الله { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ ٱلْكِتَابِ } إلى قوله: { يَفْتَرُونَ }. " ذكر هذا التخريج السيوطي في لباب المنقول وأخرجه أيضاً ابن جرير في تفسيره. فكتاب الله الذي يدعون إليه هو التوراة على هذا الوجه. قال ابن جرير: وقيل بل ذلك كتاب الله الذي أنزله على محمّد، وإنّما دعيت طائفة منهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحكم بينهم بالحقّ فأبت. روي ذلك عن قتادة وابن جريج ورجّح الأول، ومعناه ألم تر يا محمّد إلى هؤلاء الذين تعجب لعدم إيمانهم بك على وضوح ما جئت به كيف يعرضون عن العمل بالكتاب الذي يؤمنون به إذا لم يوافق أهواءهم. ووقائع الأحوال في عصر التنزيل تتفق مع كلّ من القولين. فقد كانوا يقولون عن حكم التوراة إذا خالف أهواءهم كما يفعل أهل كلّ دين في طور إنحلال الدين وضعفه وكانوا ربّما تحاكموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم عازمين على قبول حكمه حتّى إذا كان على غير ما أحبّوا خالفوه كما فعلوا يوم زنا بعض أشرافهم وحكموه فحكم بينهم بمثل حكم كتابهم فتولّوا وأعرضوا عن قبول حكمه لأنّهم إنّما فزعوا إليه ليخفّف عنهم. أمّا قوله: { أُوتُواْ نَصِيباً } فقد علم ما هو تفسيره المختار عندنا فيما تقدّم أوّل السورة من تفسير التوراة والإنجيل وقال الأستاذ الإمام في تفسير هذه الآية إنّه مبيّن لقوله تعالى: { أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ } وهو بمعنى:لاَ يَعْلَمُونَ ٱلْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ } [البقرة: 78] فالنصيب عبارة عن تمسكهم بالألفاظ بتعظيمها وتعظيم ما تكتب فيه مع عدم العناية بالمعاني بفقهها والعمل بها.

السابقالتالي
2 3 4