الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَيَقْتُلُونَ ٱلنَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ ٱلَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِٱلْقِسْطِ مِنَ ٱلنَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } * { أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ }

قيل إنّ المراد بهذه الآية { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَيَقْتُلُونَ ٱلنَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ } اليهود خاصّة وقد نسب إليهم قتل النبيين الذي كان من سابقهم لاعتبار الأمّة في تكافلها وجرى لاحقها على أثر سابقها - كالشخص الواحد على ما مرّ بيانه عن الأستاذ الإمام غير مرّة، على أنّ اليهود همّت بقتل النبي صلى الله عليه وسلم في زمن نزول الآية والسورة مدنية كما علمت وهم بذلك قومه الأمّيون من قبل في مكّة ثمّ كان كلّ من الفريقين حرباً له وهم المعتدون ولذلك قال آخرون إنّ الآية فيمن سبق ذكرهم من أهل الكتاب والأميين فكلّ قاتله وقاتل الذين يأمرون بالقسط من المؤمنين به. والظاهر الأول حتّى على قراءة حمزة { وَيَقْتُلُونَ ٱلَّذِينَ } لأنّ محاولة قتل نبي لا يعبّر عنه بيقتلون النبيين والقتال غير القتل ولما في آيات أخرى من إطلاق مثل هذا التعبير على اليهود خاصّة ولا حاجة إلى القول بأنّ المراد مجموع الكافرين الذين يقتل بعضهم النبيين وبعضهم الذين يأمرون بالقسط. فالآية وما بعدها إنتقال إلى خطاب اليهود خاصّة فاليهود هم الذين جروا على الكفر بآيات الله من عهد موسى إلى عهد محمّد عليهما الصلاة والسلام، وبذلك تشهد عليهم كتبهم قبل القرآن، وعلى قتل النبيين كزكريا ويحيى عليهما الصلاة والسلام، ولكن الأستاذ الإمام وجّه القول بالعموم وجعله بالنسبة إلى مشركي العرب الذين حاولوا قتل نبي واحد على حدّ كون قتل النفس الواحدة كقتل جميع الناس. وقوله تعالى: { بِغَيْرِ حَقٍّ } بيان للواقع بما يقّرر بشاعته وانقطاع عرق العذر دونه، وإلاّ فإنّ قتل النبيين لا يكون بحقّ مطلقاً كما يقول المفسّرون. وأقول إنّ هذا القيد يقرّر لنا أنّ العبرة في ذمّ الشيء ومدحه تدور مع الحقّ وجوداً وعدماً لا مع الأشخاص والأصناف. وإذا قلنا إنّ كلمة " حقّ " هنا المنفية تشمل الحقّ العرفي بقاعدة أنّ النكرة في سياق النفي تفيد العموم يدخل في ذلك مثل قتل موسى عليه السلام للمصري وإن لم يكن متعمّداً لقتله فإذا كانت الشريعة المصرية تقضي بقتل مثله وقتلوه يكون قتله حقاً في عرفهم لا يذمّون عليه وإنّما تذم شريعتهم إذا لم تكن عادلة، واليهود لم يكن لهم حقّ ما في قتل من قتلوا من النبيين لا حقيقة ولا عرفاً.

{ وَيَقْتُلُونَ ٱلَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِٱلْقِسْطِ مِنَ ٱلنَّاسِ } أي الحكماء الذين يرشدون الناس إلى العدالة العامّة في كلّ شيء، ويجعلونها روح الفضائل وقوامها ومرتبتهم في الهداية والإرشاد تلي مرتبة الأنبياء وأثرهم في ذلك يلي أثرهم. ذلك أنّ جميع طبقات الناس تنتفع بهدي الأنبياء كلّ صنف بقدر استعداده وأمّا الحكماء فلا ينتفع بهم إلاّ بعض الخواص المستعدّين لتلقي الفلسفة.

السابقالتالي
2