الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي ٱلْبِلاَدِ } * { مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ } * { لَكِنِ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلاً مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَيْرٌ لِّلأَبْرَارِ } * { وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَٰبِ لَمَن يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِمْ خَٰشِعِينَ للَّهِ لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَـٰتِ ٱللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلـٰئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } * { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }

أقول: قد علم مما تقدم أن بعض المفسرين قالوا إن المراد بقوله تعالى في الآيات السابقة:رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَىٰ رُسُلِكَ } [آل عمران: 194] ما وعد الله به المؤمنين من النصر والظفر وأننا اخترنا أن المراد ذلك وما وعد من ثواب الآخرة. وعلى هذين القولين ربما يستبطئ بعض المؤمنين إيتاءهم الوعد المتعلق بالنصر والتغلب على الكافرين الظالمين كما يدل قوله تعالى:حَتَّىٰ يَقُولَ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ ٱللَّهِ } [البقرة: 214] فجاء قوله تعالى: { لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي ٱلْبِلاَدِ } الآية تسلية لهم وبياناً لكون الإملاء للكافرين واستدراجهم لا يصح أن يكون مدعاة ليأس المؤمنين ولا حجة للمنافقين الذين قالوا عند الشدة:مَّا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً } [الأحزاب: 12] - فهذا وجه في إتصال هذه الآية بما قبلها في ترتيب الآيات الشريفة.

وقال الإمام الرازي: إعلم أنه تعالى لما وعد المؤمنين بالثواب العظيم وكانوا في الدنيا في نهاية الفقر والشدة والكفار كانوا في النعم ذكر الله تعالى في هذه الآية ما يسليهم ويصبرهم على تلك الشدة:

وقال الأستاذ الإمام: كان الكلام في أولي الألباب المؤمنين وقد علمنا أن الله تعالى يستجيب لهم بالأعمال فالعبرة بالعمل ومنه المهاجرة، وتحمل الإيذاء في سبيل الله وبذل النفس في القتال حتى يقتلوا وبذلك يستحقون ثواب الله تعالى.

ثم ذكر حال الكافرين للمقابلة وربط الكلام بما قبله بالنهي عن الإغترار بما هم فيه من نعيم، وتمتع كأنه يقول: على المؤمن أن يجعل مرمى طرفه ذلك الثواب الذي وعدته فهو النعيم الحقيقي الباقي وهذا الذي فيه الكافرون متاع قليل فلا تطلبوه ولا تحفلوا به. يسهل بهذا على المسلمين ما كلفوه من تحمل الإيذاء والعناء في إقامة الحق.

أقول: أما معنى الآية: فهو لا يغرنك أيها المخاطب المؤمن أو لا يغرنك يا محمد (قولان) تقلبهم، قالوا وما خوطب به النبي صلى الله عليه وسلم من مثل هذا فالمراد به أمته، فروي عن قسم آية 193: 190 رَّبَّنَآ إِنَّنَآ سَمِعْنَا مُنَادِياً) فجعلها آيتين أول الثانية منهما 191 " ف " رَبَّنَا فَٱغْفِرْ لَنَا " وأيضاً جعل آية { فَٱسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ } ثلاث آيات أول الثانية منهم (194 فالذين هاجروا - وأول الثالثة 195 ثَوَاباً مِّن عِندِ ٱللَّهِ) وهاهنا يتفق مع عد مصاحف الإستانة ومصر وتكون لا يغرنك هي قتادة أنه قال: والله ما غروا نبي الله صلى الله عليه وسلم حتى قبضه الله. ومعنى غره: أصاب غرته فنال منه بالقول أو العمل شيئاً مما يريد وهو غافل عن ذلك لم يفطن لما في باطن الشيء مما يخالف الظاهر. قال الراغب: والغرة (بالكسر) غفلة في اليقظة والغرار غفلة مع غفوة.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7