الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱخْتِلاَفِ ٱلَّيلِ وَٱلنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ } * { ٱلَّذِينَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ رَبَّنَآ مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ } * { رَبَّنَآ إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ ٱلنَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ } * { رَّبَّنَآ إِنَّنَآ سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَٱغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ ٱلأَبْرَارِ } * { رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَىٰ رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ ٱلْمِيعَادَ } * { فَٱسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنْكُمْ مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَـٰرِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَـٰتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّـٰتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ ثَوَاباً مِّن عِندِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ ٱلثَّوَابِ }

قال الأستاذ الإمام في بيان وجه إتصال الآية الأولى بما قبلها: إنها جاءت بعد أفاعيل أهل الكتاب وغيرهم مع المؤمنين فهي تدل على أن أولئك المجاهدين لو كانوا يتفكرون في خلق السماوات والأرض لكفوا من غرورهم ولعلموا أنه يليق بحكمته تعالى أن يرسل إلى الناس رسولاً من أنفسهم، ولكنه جعل الآية مطلقة موجهة إلى أولي الألباب ليطلق النظر لكل عاقل.

وقال الرازي: أعلم أن المقصود من هذا الكتاب الكريم جذب القلوب والأرواح من الإشتغال بالخلق، إلى الإستغراق في معرفة الحق، فلما طال الكلام في تقرير الأحكام والجواب عن شبهات المبطلين عاد إلى إنارة القلوب بذكر ما يدل على التوحيد والإلهية والكبرياء والجلال، فذكر هذه الآية. اهـ.

أقول: وقد بينا في وجه إتصال هذه السورة بما قبلها عند الإبتداء بتفسيرها أن كلا منهما مفتتحة بذكر الكتاب وشؤون الناس فيه ومختتمة بالثناء على الله عز وجل ودعائه.

وقد ذكروا سبباً لنزول هذه الآيات على عدم تعلقها بالحوادث، فقد أخرج الطبراني وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: " أتت قريش اليهود، فقالوا: بم جاءكم موسى من الآيات؟ فقالوا: عصاه ويده بيضاء للناظرين، وأتوا النصارى فقالوا: كيف كان عيسى؟ قالوا كان يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: ادع لنا ربك يجعل لنا الصفا ذهباً، فدعا ربه فنزلت هذه الآية { إِنَّ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱخْتِلاَفِ ٱلَّيلِ وَٱلنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ } فليتفكروا فيها. اهـ من لباب التقول. وأنت لا ترى المناسبة قوية بين الإقتراح وبين الآية إلا من حيث إن مراد القرآن الإستدلال بآيات الله في الكائنات على حقيقة ما يدعو إليه النبي صلى الله عليه وسلم من عبادة الله وحده دون الخوارق والآيات الكونية، وقد ورد الرد على هؤلاء المقترحين في كثير من السور المكية، وسيأتي تفسيرها في مواضعه إن شاء الله تعالى.

وقد تقدم تفسير ما في خلق السماوات والأرض، واختلاف الليل والنهار من الآيات على وحدانية الله تعالى بوحدة النظام في ذلك، وعلى رحمته بما فيها من المنافع والمرافق للعباد، فليراجع في تفسير آية (2: 164 إن في خلق السماوات إلخ ص59 ج2 تفسير).

وقال الأستاذ الإمام هنا: السماوات ماعلاك مما تراه فوقك، والأرض ما تعيش عليه، والخلق التقدير والترتيب لا الإيجاد من العدم، كما اصطلح عليه في علم الكلام، فذلك لا يتضمن معنى النظام والإتقان وهو ما هي عليه في الواقع ونفس الأمر، وبعدما ذكر خلق السماوات والأرض لفت العقول إلى أمر مما يكون في الأرض وهو اختلاف الليل والنهار، فإن هذا الإختلاف قائم بنظام في طول الليل والنهار وقصرهما وتعاقبهما، وهذا أمر عظيم سواء كان سببه ما كانوا يعتقدون من أنه حادث من حركة الشمس أو ما يعتقدون الآن من أن سببه حركة الأرض تحت الشمس.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد