الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَٱلْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ ٱلْعِلْمِ قَآئِمَاً بِٱلْقِسْطِ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } * { إِنَّ ٱلدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلإِسْلاَمُ وَمَا ٱخْتَلَفَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } * { فَإنْ حَآجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ للَّهِ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِ وَقُلْ لِّلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ ٱهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ ٱلْبَلَٰغُ وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِٱلْعِبَادِ }

قرأ نافع والبصري (اتّبعني) بالياء في الوصل خاصّة والباقون بحذفها وصلاً ووقفاً.

بعد ما بيّن تعالى جزاء المتّقين وبيّن حالهم في إيمانهم ومدح أصنافهم الكاملين في أوصافهم بيّن أصل الإيمان وأساسه فقال: { شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَٱلْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ ٱلْعِلْمِ قَآئِمَاً بِٱلْقِسْطِ } صرّح كثير من المفسّرين بأنّ شهادة الله هنا من باب الاستعارة، لأنّ ما نصبه من الدلائل في الآفاق وفي الأنفس على توحيده وما أوحاه إلى أنبيائه في ذلك يشبه شهادة الشاهد بالشيء في إظهاره وإثباته. وكذلك شهادة الملائكة عبارة عن إقرارهم بذلك كما قال البيضاوي. زاد أبو السعود وإيمانهم به وجعلها من باب عموم المجاز وشهادة أولي العلم عبارة عن إيمانهم به وإحتجاجهم عليه. وقال بعضهم: إنّ الشهادة من كلّ بمعنى واحد لأنّها إمّا عبارة عن الإخبار المقرون بالعلم وإمّا عبارة عن الإظهار والبيان، وكلّ ذلك حاصل من الله والملائكة وأولي العلم - فالله تعالى أخبر بتوحيده ملائكته ورسله عن علم وبيّنه لهم أتمّ البيان والملائكة أخبروا الرسل وبيّنوا لهم، وأولو العلم أخبروا بذلك وبيّنوه عالمين به ولا يزالون كذلك. وأقول: إنّ ما قاله الأوّلون ضعيف وأقرب التفسيرين للشهادة في القول الآخر أوّلهما. يقال: شهد الشيء إذا حضره وشاهده كقوله تعالى:فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ ٱلشَّهْرَ } [البقرة: 185] وقوله:مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ } [النمل: 49] ويقال شهد به إذا أخبر به عن مشاهدة بالبصر، وهو الأكثر والأصل أو عن مشاهدة بالبصيرة وهي الاعتقاد والعلم، كقوله تعالى حكاية عن إخوة يوسفوَمَا شَهِدْنَآ إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا } [يوسف: 81] وذلك أنّهم أخبروا أباهم يعقوب بأنّ ابنه (شقيق يوسف) سرق عن اعتقاد لا عن مشاهدة بالبصر. وإنّما سمّوا اعتقادهم علمّا لأنّه لم يخطر في بالهم ما يعارض ما رأوه من إخراج صواع الملك من رحل شقيق يوسف بعد ما نودي فيهم بأنّ الصواع قد سرق. والحاصل أنّ الشهادة بالشيء هي الإخبار به عن علم بالمشاهدة الحسيّة أو المعنوية وهي الحجّة والدليل وهو المختار هنا. ولكن يرد عليه هنا أنّه إثبات للتوحيد بالنقل وهو فرع عنه. لأنّه إذا لم يثبت توحيد الله لا يثبت الوحي. ويجاب عنه بأنّ شهادة الله في كتابه مؤيّدة بالبراهين التي قرنها بها وبالآيات على صدق الرسل، وشهادة الملائكة للأنبياء مقرونة بعلم ضروري هو عند الأنبياء أقوى من جميع اليقينيات البديهية. وبتلك الدلائل التي أمروا بأن يحتجّوا بها على الناس، وشهادة أولي العلم تقرن عادةً بالدلائل والحجج لأنّ العالم بالشيء لا تعوزه الحجّة عليه. على أنّ الكلام في وحدانية الألوهية والمشرك بها لا يكون معطلاً حتّى يقال لا بدّ من إقناعه بوجود الله قبل إقناعه بشهادته، بل يكون مقرّاً بوجود الله، وإنّما شركه باتّخاذ الوسطاء يكونون بزعمه وسائل بينه وبين الله يقرّبونه إليه زلفى وبالشفعاء يكونون في وهمه سبباً لقضاء حاجاته وتكفير سيّئاته، كما كانت تدين العرب في الجاهلية.

السابقالتالي
2 3 4 5