الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ وَٱشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ } * { لاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَآ أَتَوْاْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ ٱلْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { وَللَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

وجّه الإتصال بين الآية الأولى من هذه الآيات وما قبلها هو أن الآيات التي قبلها كانت في أهل الكتاب وقد تقدم أنه تعالى ذكر أحوال النصارى منهم ومحاجتهم في أول السورة ثم ذكر بعض أحوال اليهود قبل قصة أحد ثم عاد إلى بيان بعض شؤونهم بعدها فكان منه ما في هذه الآية وهو كتمان ما أمروا ببيانه، واستبدال منفعة حقيرة به لم يفصل بينه وبين ما قبله فيهم إلا بآيتين قد عرفت حكمة وضعهما في موضعهما. وقال الرازي: إعلم أن في كيفية النظم وجهين: (الأول): أنه تعالى لما حكى عن اليهود شبهاً طاعنة في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وأجاب عنها أتبعه بهذه الآية؛ وذلك لأنه تعالى أوجب عليهم في التوراة والإنجيل على أمة موسى وعيسى عليهما السلام أن يشرحوا ما في هذين الكتابين من الدلائل الدالة على صحة دينه وصدق نبوته ورسالته والمراد منه التعجب من حالهم، كأنه قيل كيف يليق بكم إيراد الطعن في نبوته ودينه مع أن كتبكم ناطقة، ودالة على أنه يجب عليكم ذكر الدلائل الدالة على صحة نبوته ودينه الثاني: أنه تعالى لما أوجب في الآية المتقدمة على محمد صلى الله عليه وسلم احتمال الأذى من أهل الكتاب، وكان من جملة إيذائهم للرسول صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يكتمون ما في التوراة والإنجيل من الدلائل الدالة على نبوته فكانوا يحرفونها ويذكرون لها تأويلات فاسدة، فبين أن هذا من تلك الجملة التي يجب فيها الصبر اهـ. وقد علمت ما هو المراد بالأذى في تفسير الآية السابقة.

وقال الأستاذ الإمام: وجه الإتصال بين هذه الآية وما قبلها هو أن ما ذكر في الآية السابقة من البلاء الذي يصاب به المؤمنون إنما يصابون به لأخذهم بالحق ودعوتهم إليه، ومحافظتهم في الشدائد عليه فناسب بعد ذكر ذلك البلاء الذي أخبر الله به المؤمنين ووطن عليه نفوسهم ليثبتوا ويصبروا أن يذكر لهم مثل الذين خلوا من قبل إذ أخذ عليهم الميثاق ببيان الحق فكان من أمرهم ما استحقوا به الوعيد المذكور في الآية، فهو يذكر المؤمنين بذلك كأنه يقول لهم إنكم إذا كتمتم ما أنزل عليكم يكون وعيدكم كوعيدهم. قال تعالى:

{ وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ } أي اذكروا إذ أخذ الله الميثاق عليهم بلسان أنبيائهم قال الأستاذ الإمام: ولا نقول في التوراة لأن القرآن لم يقل بذلك ولا بعدمه فليس لنا أن نقيد برأينا ما أطلقه ونزيد عليه بغير علم { لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ } أي أكّد عليهم إيجاب البيان أو التبيين وفيه معنى التكثير والتدريج كما يؤكد على المخاطب أهم الأمور بالعهد واليمين فيقال له الله لتفعلن كذا فقراءة من قرأ بتاء الخطاب حكاية للمخاطبة التي أخذ بها الميثاق، وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وعاصم في رواية ابن عياش بالمثناة التحتية " ليبيننه للناس ولا يكتمونه " لأنهم غائبون.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد