الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ ٱلنَّارِ وَأُدْخِلَ ٱلْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ ٱلْغُرُورِ } * { لَتُبْلَوُنَّ فِيۤ أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُوۤاْ أَذًى كَثِيراً وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذٰلِكَ مِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ }

الكلام في الآيتين مستقل، ووجه اتصال الآية الأولى منهما بما قبلها هو أن في التي قبلها تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم عن تكذيب اليهود وغيرهم له ببيان طبيعة الناس في تكذيب الأنبياء السابقين وصبر أولئك على المجاحدة والمعاندة والكفر. وفي هذه تأكيد للتسلية، كما قال الإمام الرازي من حيث إن الموت هو الغاية، وبه تذهب الأحزان ومن حيث إن بعده داراً يجازي فيها كل بما يستحق، وقال الأستاذ الإمام: إنها تسلية أخرى، كأنه يقول لا تضجر ولا تسأم لما ترى من معاندة الكافرين فإن هذا منته، وكل ما له نهاية فلا بد من الوصول إليه، فالذي يصير إليه هؤلاء المعاندون قريب، فيجازون على أعمالهم ولا تنتظر أن يوفوا جزاء عملهم السيئ كله في هذه الدار كما أن أجرك على عملك لا توفاه في هذه الحياة، فحسبك ما أصبت من الجزاء الحسن وحسبهم ما أصيبوا وما يصابون به من الجزاء السيئ في الدنيا. واعلم أنه لا يوفى أحد جزاءه في هذه الدار لأن توفية الأجور إنما تكون في الآخرة.

قال: ويصح وصلها بما قبلها من قوله تعالى:وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ } [آل عمران: 180] إلخ أي إن أولئك البخلاء الذين يمنعون الحقوق وأولئك المتجرئين على الله والظالمين لرسله والذين عاندوا خاتم النبيين - كل أولئك سيموتون كما يموت غيرهم ويوفون أجورهم يوم القيامة - وكذلك لا يحسبن أحد من المؤمنين الذين يقاومون هؤلاء ويلقون منهم في سبيل الإيمان ما يلقون أنهم يوفون أجورهم في الدنيا، كلا إنهم إنما يوفون أجورهم يوم القيامة.

وأقول: إن الكلام في الآيتين هو تصريح بما في ضمن الآية السابقة من التسلية للنبي صلى الله عليه وسلم ولمن اتبعه والتفات إلى خطابهم فإن توفية الأجور متبادرة في الخير، فهذه الآية تمهيداً لما بعدها ليسهل على المسلمين وقع إنبائهم بما يبتلون به.

ثم قال تعالى: { كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ } والمعنى ظاهر يفهمه كل من يعرف العربية وهو أن كل حي يموت، فتذوق نفسه طعم مفارقة البدن الذي تعيش فيه ولكنهم أوردوا عليها إشكالات بحسب علوم الفلسفة التي تغلغلت اصطلاحاتها في كتب المسلمين؛ لذلك قال الأستاذ الإمام: لكلمة " نفس " استعمالات يصح في بعض المواضع منها ما لا يصح في موضع آخر، والمتبادر هنا أن المراد بالنفس ما به الحياة المعروفة في الحيوان، ولا يصح أن تكون هنا بمعنى الذات (أي فيقال: إنه يدخل في عمومها البارئ تعالى لإضافة لفظ النفس إليه عز وجل) واستشكلوا موت النفس مع أنها باقية لأنها تبعث يوم القيامة وإنما يبعث الموجود ولو عدمت النفس لما صح أن يقال إنها تبعث، وإنما كان يقال توجد.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7