الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَآ آتَاهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَللَّهِ مِيرَاثُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } * { لَّقَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَآءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ ٱلأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ } * { ذٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ } * { ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّىٰ يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ ٱلنَّارُ قُلْ قَدْ جَآءَكُمْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِي بِٱلْبَيِّنَاتِ وَبِٱلَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } * { فَإِن كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ جَآءُوا بِٱلْبَيِّنَاتِ وَٱلزُّبُرِ وَٱلْكِتَابِ ٱلْمُنِيرِ }

قال الأستاذ الإمام: هذا كلام جديد مستقل لا يتعلق بواقعة أحد لا على سبيل القصد ولا على سبيل الإستطراد، فقد جاء في سياق القصة آيات في شؤون الكافرين في أنفسهم وما يليق بهم من الخزي والعقوبة ونحو ذلك تذكر للمناسبة ثم يعود الكلام إلى ما يتعلق بالواقعة، وقد انتهى ذلك بالآيات التي قبل هذه الآيات، وأما هذه وما بعدها إلى آخر السورة فهي في ضروب من الإرشاد وذلك لا يمنع أن يكون بينها وبين ما قبلها تناسب، بل التناسب فيها ظاهر. وأقول: إن الوجه في وصل هذه الآيات بما قبلها هو أن الكلام قبلها في واقعة أحد وما كان فيها من شأن المنافقين، وكان الكلام قبلها في حال اليهود، وقبلها في حال النصارى مع الإسلام بمناسبة الكلام في أول السورة في التوحيد والكتاب العزيز واختلاف الناس فيه، فلما انتهى ما أراد الله بيانه في هذا السياق ومنه أنه أيد دينه وأعز حزبه حتى إنه جعل خطأهم في الحرب مفيداً لهم - عاد إلى بيان حال اليهود وإقامة الحجة عليهم فقال:

{ وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَآ آتَاهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَّهُمْ } قال الإمام الرازي: اعلم أنه تعالى لما بالغ في التحريض على بذل النفس في الجهاد في الآيات المتقدمة شرع هاهنا في التحريض على بذل المال في الجهاد، وبين الوعيد الشديد لمن يبخل ببذل المال في سبيل الله. اهـ.

وحسبك ما علمت من وجه اتصال الآيات كلها بما قبلها.

قرأ حمزة " تحسبن " بالمثناة الفوقية على أن الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم أو لكل حاسب، وفي الكلام تقدير أي لا تحسبن بخل الذين يبخلون هو خيراً لهم. وقرأ الباقون " يحسبن " بالمثناة التحية، والتقدير على هذه القراءة: ولا يحسبن الذين يبخلون بكذا بخلهم خيراً لهم. أو لا يحسبن أحد، أو رسول الله صلى الله عليه وسلم بخل الذين يبخلون بكذا خيراً لهم. وإعادة الضمير على مصدر محذوف لدلالة فعله أو وصف منه عليه كثير في كلام العرب. ومنه قوله تعالى:ٱعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ } [المائدة: 8] أي العدل وقال الشاعر:
إذا نهى السفيه جرى إليه   وخالف والسفيه إلى خلاف
أي إذا نهى عن السفه جرى إليه وكان النهي إغراء له به. وأنشد الفراء:
هم الملوك وأبناء الملوك هم   والآخذون به والسادة الأول
قالوا والآخذون به أي بالملك.

أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس أن الآية نزلت في أهل الكتاب الذين كتموا صفة النبي صلى الله عليه وسلم ونبوته، فالبخل على هذا هو البخل بالعلم وبيان الحق. وروي عن الصادق وابن مسعود والشعبي والسدي وغيرهم أنها نزلت في مانعي الزكاة.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد