الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ يَحْزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّواْ ٱللَّهَ شَيْئاً يُرِيدُ ٱللَّهُ أَلاَّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظّاً فِي ٱلآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱشْتَرَوُاْ ٱلْكُفْرَ بِٱلإِيمَانِ لَن يَضُرُّواْ ٱللَّهَ شَيْئاً وَلهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوۤاْ إِثْمَاً وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ } * { مَّا كَانَ ٱللَّهُ لِيَذَرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَآ أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ ٱلْخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيِّبِ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى ٱلْغَيْبِ وَلَكِنَّ ٱللَّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَآءُ فَآمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ }

لما كان ما كان من فوز المشركين في أحد وما أصاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه من المؤمنين أظهر بعض المنافقين كفرهم وقالوا لو كان محمد نبياً ما قتل (راجع ص160) وغير ذلك مما سبق نقل بعضه، وما سارع هؤلاء في إظهار ما يسرون من الكفر وتثبيط المؤمنين عن نصر الإيمان إلا لظنهم أن المسلمين قد قضي عليهم، وقد كان هذا مما يحزن النبي صلى الله عليه وسلم فكان من تسلية التنزيل له في هذا السياق قوله عزّ وجل: { وَلاَ يَحْزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْكُفْرِ } كما كان يسليه عما يحزنه من إعراض الكافرين عن الإيمان أو طعنهم في القرآن؛ أو في شخصه صلى الله عليه وسلم، كقوله تعالى:وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ ٱلْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً } [يونس: 65] وقولهفَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ أَسَفاً } [الكهف: 6] وقولهفَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ } [فاطر: 8] أو المراد من السياق تسليته صلى الله عليه وسلم عما ساءه وحزنه من اهتمام المشركين بنصرة شركهم ومعاودتهم للقتال بعد أحد في حمراء الأسد أو بدر الصغرى لولا خذلان الله لهم، وقد روي القول بتفسير الذين يسارعون في الكفر بالمنافقين عن مجاهد وكذا قال في الذين اشتروا الكفر بالإيمان في الآية التالية لهذه الآية وقيل هم المرتدون خاصة. وروي عن الحسن أن الذين يسارعون في الكفر هم الكفار قالوا المسارعة فيه هي الوقوع فيه سريعاً. وقال الأستاذ الإمام: المسارعة في الكفر هي المسارعة في نصرته والاهتمام بشؤونه والإيجاف في مقاومة المؤمنين، وما كل كافر يسارع في الكفر فإن من الكافرين القاعد الذي لا يتحرك لنصرة كفره ولا لمقاومة المخالف له فيه. والمسارعون المعنيون هنا هم أولئك النفر من المشركين كأبي سفيان ومن كان معه من صناديد قريش، وذهب بعض المفسرين إلى أن المراد بهم المنافقون ورووا في ذلك روايات في سبب النزول. وإنما يأتي هذا لو قال: " يسارعون إلى الكفر " { إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّواْ ٱللَّهَ شَيْئاً } أي إنهم لا يحاربونك فيضروك بذلك وإنما يحاربون الله تعالى ولا شك في ضعف قوتهم وعجزها عن مناوأة قوته عز وجل فهم لا يضرون بذلك إلا أنفسهم. أقول: وقد بين هذا بقوله: { يُرِيدُ ٱللَّهُ أَلاَّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظّاً فِي ٱلآخِرَةِ } أي إنهم على حالة من فساد الفطرة تقتضي حرمانهم من نعيم الآخرة بسنة الله وإرادته فلا نصيب لهم فيها { وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } فوق عذاب الحرمان من نعيمها ولم يقيد هذا العذاب بكونه في الآخرة فهو أعم كما هو ثابت وقوعا ونقلاً بمثل قوله تعالى في المنافقين:سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ } [التوبة: 101] فقوله " إنهم لن يضروا الله " تعليل للنهي عن الحزن وقوله " يريد الله " إلخ بيان لكونهم يضرون أنفسهم ولا يضرونه تعالى، وجعله الأستاذ الإمام تعليلاً آخر، إذا قال ما مثاله: فإن كنت تحزن عليهم رحمة بهم وشفقة عليهم لأن النور بين أيديهم وهم لا يبصرون، والهداية قد أهديت إليهم وهم لا يقبلون وتطمع في هدايتهم وترجوها وكلما رأيت منهم حركة جديدة في الكفر، حدث لك حزن جديد - فعليك ألا تحزن أيضاً.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8