الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ } * { فَرِحِينَ بِمَآ آتَاهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِٱلَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } * { يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ ٱللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { ٱلَّذِينَ ٱسْتَجَابُواْ للَّهِ وَٱلرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَآ أَصَابَهُمُ ٱلْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَٱتَّقَواْ أَجْرٌ عَظِيمٌ } * { ٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَٱخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا ٱللَّهُ وَنِعْمَ ٱلْوَكِيلُ } * { فَٱنْقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوۤءٌ وَٱتَّبَعُواْ رِضْوَانَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ } * { إِنَّمَا ذٰلِكُمُ ٱلشَّيْطَـٰنُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ }

بين سبحانه وتعالى حال المنافقين في قعودهم عن القتال في سبيل الله والدفاع عن الحقيقة وتثبيطهم لإخوانهم قبل القتال وبعده وقولهم فيمن قتلوا إنهم لو أطاعوهم لما قتلوا وبين أفنهم وفساد رأيهم في التوقي من الموت بعدم القتال والدفاع وهو في الحقيقة من أسباب الهلاك لا من أسباب السلامة - وبعد هذا كله أراد أن يبين حال من يقتل في سبيل الله وأنه لا يكون بحيث يظن أولئك السفهاء في موتهم فقال عزّ وجل:

{ وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمْوَاتاً } أخرج الإمام أحمد وغيره من حديث ابن عباس (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم وحسن مقيلهم قالوا يا ليت إخواننا يعلمون ما صنع الله لنا " - وفي لفظ - " قالوا من يبلغ إخواننا أننا أحياء في الجنة نرزق لئلا يزهدوا في الجهاد ولا ينكلوا عن الحرب فقال الله تعالى أنا أبلغهم عنكم فأنزل الله هؤلاء الآيات " وأخرج الترمذي وحسنه والحاكم وصححه وغيرهما من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: " لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " يا جابر مالي أراك منكسرا؟ " فقلت يا رسول الله استشهد أبي وترك عيالاً وديناً فقال: " ألا أبشرك بما لقي الله به أباك "؟ قلت بلى. قال: " ما كلَّم الله أحدا قط إلا من وراء حجاب وأحيا أباك فكلمه كفاحاً وقال: يا عبدي تمن علي أعطك. قال: يا رب تحييني فأقتل فيك ثانية، قال الرب تعالى: قد سبق مني أنهم لا يرجعون. قال: أي رب فأبلغ من ورائي، فأنزل الله هذه الآية " قالوا ولا تنافي بين الروايتين لجواز وقوع الأمرين ونزول الآية فيهما معا. وأقول: إن الآية متصلة بما قبلها متممة له فإذا صح الخبران فهما من جملة وقائع غزوة أحد التي نزل فيها هذا السياق كله والمعنى: لا تحسبن يا محمد أو أيها السامع لقول المنافقين الذين ينكرون البعث أو يرتابون فيه فيؤثرون الدنيا على الآخرة " لو أطاعونا ما قتلوا " أن من قتلوا في سبيل الله أموات قد فقدوا الحياة وصاروا عدما. وقرأ ابن عامر قتلوا بضم القاف وتشديد التاء للمبالغة { بَلْ } هم { أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ } في عالم غير هذا العالم هو خير منه للشهداء وغيرهم من الصالحين، ولكرامته وشرفه أضافه الرب تعالى إليه فهذه العندية عندية شرف وكرامة لا مكان ومسافة.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد