الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } * { أَفَمَنِ ٱتَّبَعَ رِضْوَانَ ٱللَّهِ كَمَن بَآءَ بِسَخَطٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } * { هُمْ دَرَجَـٰتٌ عِندَ ٱللَّهِ وٱللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ } * { لَقَدْ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَى ٱلْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ }

نزلت هذه الآية في شأن النبي (صلى الله عليه وآله) من سياق الحكم والأحكام المتعلقة بغزوة أحد، ولكن أخرج أبو داود والترمذي وابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما أن قوله تعالى: " وما كان لنبي أن يغل " قد نزل في قطيفة حمراء فقدت يوم بدر فقال بعض الناس: لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها، وقد ضعف هذه الرواية بعض المفسرين وإن حسنها الترمذي لأن السياق كله في واقعة أحد ورجحوا عليها ما روي عن الكلبي ومقاتل من " أن الرماة قالوا حين تركوا المركز الذي وضعهم النبي صلى الله عليه وسلم وفيه: نخشى أن يقول النبي صلى الله عليه وسلم: " من أخذ شيئاً فهو له " وأن لا يقسم الغنائم كما لم يقسم يوم بدر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " أظننتم أننا نغل ولا نقسم لكم " ؟ ولهذا نزلت الآية.

وروى ابن أبي شيبة في المصنف وابن جرير مرسلاً عن الضحاك قال: " بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم طلائع فغنم صلى الله عليه وسلم غنيمة فقسم بين الناس ولم يقسم للطلائع، فلما قدمت الطلائع قالوا قسم النبي صلى الله عليه وسلم ولم يقسم لنا فأنزل الله تعالى الآية ".

قال الأستاذ الإمام: الصواب أن هذه الآية من متعلقات هذه الواقعة كالآيات التي قبلها وكثير مما يأتي بعدها.

وأصل الغل الأخذ بخفية كالسرقة وغلب في السرقة من الغنيمة قبل القسمة وتسمى غلولاً. قال الرماني وغيره: أصل الغلول من الغلل وهو دخول الماء في خلل الشجر، وسميت الخيانة غلولاً لأنها تجري في الملك على خفاء من غير الوجه الذي يحل، ومن ذلك الغل للحقد والغليل لحرارة العطش، والغلالة للشعار. أقول: وتغلغل في الشيء دخل فيه واختفى في باطنه. والمعنى: ما كان من شأن نبي من الأنبياء ولا من سيرته أن يغل لأن الله قد عصم أنبياءه من الغلّ والغلول فهو لا يقع منهم.

وهذا التعبير أحسن من قولهم: ما صح ولا استقام لنبي أن يغل أي يخون في المغنم وقد تقدم بيان ما يفيده هذا التعبير من نفي الشأن الذي هو أبلغ من نفي الفعل لأنه عبارة عن دعوى بدليل، كأنه يقول هنا إن النبي لا يمكن أن يقع منه ذلك لأنه ليس من شأن الأنبياء ولا مما يقع منهم أو يجوز عليهم. وقرأ نافع وابن عامر وحمزة والكسائي ويعقوب " أن يُغَلّ " بالبناء للمفعول وهو من أغللته بمعنى وجدته غالا أي ما كان من شأن النبي أن يوجد غالا أو بمعنى نسبته إلى الغلول أي ما كان لنبي أن يكون متهما بالغلول، أو من غُل أي ما كان لنبي أن يكون بحيث يسرق من غنيمته السارقون ويخونه العاملون وهذا أضعف مما قبله.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8