الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ ٱلْقَلْبِ لاَنْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَٱعْفُ عَنْهُمْ وَٱسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي ٱلأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُتَوَكِّلِينَ } * { إِن يَنصُرْكُمُ ٱللَّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا ٱلَّذِي يَنصُرُكُم مِّنْ بَعْدِهِ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ }

الكلام التفات عن خطاب المؤمنين إلى خطاب النبي صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بمعاملتهم يقول لنبيه: { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمْ } قال الأستاذ الإمام ما مثاله مع زيادة وإيضاح: الفاء للتعقيب لأن الكلام في واقعة خالف النبي فيها بعض أصحابه فكان لذلك من الفشل وظهور المشركين ما كان حتى أصيب النبي صلى الله عليه وسلم مع من أصيب فكان من لينه في معاملتهم ومخاطبتهم ومن رحمته بهم أن صبر وتجلد فلم يتشدد في عتب ولا توبيخ اهتداء بكتاب الله تعالى، فقد أنزل الله عليه آيات كثيرة في الواقعة بيّن فيها ما كان من ضعف في المسلمين وعصيان وتقصير حتى ما كان متعلقاً بالظنون الفكرية والهموم النفسية ولكن مع العتب اللطيف المقرون بذكر العفو والوعد بالنصر وإعلاء الكلمة وفوائد المصائب وقد كان خُلقه صلى الله عليه وسلم القرآن كما ورد في الصحيح من حديث عائشة رضي الله عنها.

أقول: كأنه يقول إنه كان من أصحابك يا محمد ما كان، كما دلت عليه الآيات وهو مما يؤاخذون عليه فلنت لهم وعاملتهم بالحسنى، وإنما لنت لهم بسبب رحمة عظيمة أنزلها الله على قلبك وخصك بها فعمت الناس فوائدها وجعل القرآن ممداً لها بما هداك إليه من الآداب العالية والحكم السامية التي هونت عليك المصائب وعلمتك منافعها وحكمها وحسن عواقبها للمعتبر بها: { وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ ٱلْقَلْبِ لاَنْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ } لأن الفظاظة هي الشراسة، والخشونة في المعاشرة، وهي القسوة والغلظة وهما من الأخلاق المنفرة للناس لا يصبرون على معاشرة صاحبهما وإن كثرت فضائله ورجيت فواضله بل يتفرقون، ويذهبون من حوله ويتركونه وشأنه لا يبالون ما يفوتهم من منافع الإقبال عليه، والتحلق حواليه، وإذا لفاتتهم هدايتك، ولم تبلغ قلوبهم دعوتك.

{ فَٱعْفُ عَنْهُمْ وَٱسْتَغْفِرْ لَهُمْ } فلا تؤاخذهم على ما فرطوا واسأل الله تعالى أن يغفر لهم ولا يؤاخذهم أيضاً فبذلك تكون محافظاً على تلك الرحمة التي خصك الله بها ومداوماً لتلك السيرة الحسنة، التي هداك الله إليها { وَشَاوِرْهُمْ فِي ٱلأَمْرِ } العام الذي هو سياسة الأمة في الحرب والسلم، والخوف والأمن، وغير ذلك من مصالحهم الدنيوية، أي دم على المشاورة وواظب عليها، كما فعلت قبل الحرب في هذه الوقعة (غزوة أحد) وإن أخطأوا الرأي فيها فإن الخير كل الخير في تربيتهم على المشاورة بالعمل دون العمل برأي الرئيس وإن كان صواباً، لما في ذلك من النفع لهم في مستقبل حكومتهم إن أقاموا هذا الركن العظيم (المشاورة) فإن الجمهور أبعد عن الخطأ من الفرد في الأكثر والخطر على الأمة في تفويض أمرها إلى الرجل الواحد أشد وأكبر قال الأستاذ الإمام: ليس من السهل أن يشاور الإنسان ولا أن يشير، وإذا كان المستشارون كثاراً كثر النزاع وتشعب الرأي، ولهذه الصعوبة والوعورة أمر الله تعالى نبيه أن يقرر سنة المشاورة في هذه الأمة بالعمل، فكان صلى الله عليه وسلم يستشير أصحابه بغاية اللطف ويصغي إلى كل قول ويرجع عن رأيه إلى رأيهم، وليس عندي عن الأُستاذ في هذه المسألة غير هذا.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد