الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِّن ذٰلِكُمْ لِلَّذِينَ ٱتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِٱلْعِبَادِ } * { ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَآ إِنَّنَآ آمَنَّا فَٱغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ } * { ٱلصَّابِرِينَ وَٱلصَّادِقِينَ وَٱلْقَانِتِينَ وَٱلْمُنْفِقِينَ وَٱلْمُسْتَغْفِرِينَ بِٱلأَسْحَارِ }

القراءات: للعرب في مثل همزتي " أؤنبئكم " أي ما كانت أولاهما مفتوحة والثانية مضمومة أربع لغات، قرئ بها القرآن بإذن الله على لسان رسوله تسهيلاً عليهم هنا. وفي قوله تعالى: " أأنزل " في سورة " ص " وقوله: " أألقي " في سورة القمر وليس في القرآن سواها. إحداها: تحقيق الهمزتين من غير مدّ بينهما وعليه القرّاء الكوفيون وابن ذكوان عن ابن عامر وهشام في رواية عنه في السور الثلاث. الثانية: تحقيق الهمزتين مع المدّ بينهما وهي رواية عن هشام في السور الثلاث. الثالثة: تحقيق الأولى وتسهيل الثانية مع المدّ بينهما - والتسهيل قراءة الهمزة بين نفسها وبين حرف حركتها، وهو أن تجعل هنا بين الهمزة والواو - ويعبر بعضهم عن المدّ بإدخال ألف بين الهمزتين والمعنى واحد، وهي قراءة قالون. الرابعة: تحقيق الأولى وتسهيل الثانية من غير مدّ، وهي قراءة ورش وابن كثير. وهناك قراءة مركّبة من لغتين وهي المدّ وعدمه مع التسهيل، وهي قراءة أبي عمرو وعن هشام تفريق بين ما هنا وما في " القمر " و " ص " وهو أنّه المدّ هنا مع التحقيق والقصر هناك معه. وفي قوله تعالى: { وَرِضْوَانٌ } لغتان ضمّ الراء وهي قراءة عاصم فيما عدا قوله تعالى:مَنِ ٱتَّبَعَ رِضْوَانَهُ } [المائدة: 16] وكسرها وهي قراءة الباقين في جميع القرآن.

قوله تعالى: { قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِّن ذٰلِكُمْ } الآية بيان وتفصيل لقوله تعالى:وَٱللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ ٱلْمَآبِ } [آل عمران: 14] وبدأه بالاستفهام لأجل توجيه النفوس إلى الجواب وتشويقها إليه والتنبئة بالشيء: التخبير به كالإنباء بمعنى الإخبار. وقال في الكليّات " النبأ والأنباء لم يردا في القرآن إلاّ لما له وقع وشأن عظيم " وعلى هذا يكون التعبير بمادّة النبأ تشويقاً آخر. وقوله: " لكم " إشارة إلى ما تقدّم ذكره من النساء والبنين وسائر الشهوات المذكورة في الآية السابقة. وكون ما سيأتي في جواب الاستفهام خيراً من تلك الشهوات يشعر بأنّ تلك الشهوات خير في نفسها أو ليست بشرّ. والصواب أنّها خير ومن أجل نعم الله تعالى على الناس وإنّما يعرض الشرّ فيها كما يعرض في سائر نعمه تعالى على الناس في أنفسهم، كحواسهم وعقولهم وفي غيرها حتّى في الشريعة. فالذي يسرف في حبّ النساء حتّى يعطي امرأة أو ولدها حقّ غيرهما أو يهمل لأجلها تربية ولده من غيرها. أو يترك حقّ الله وطاعته تقرباً إليها أو يعتدي في ذلك بأن يحبّ امرأة غيره، هو كمن يستعمل عقله في استنباط الحيل لهضم حقوق الناس وإيذائهم، أو يحتال في نصوص الشريعة ويؤولها حتّى يفوت الغرض من الأحكام وتترك الفرائض وتهدم الأركان فسوء سلوك الناس في الإنتفاع بالنعم لا يدلّ على أنّ النعم شرّ في ذاتها ولا كون حبّها شرّاً مع القصد والوقوف عند حدود الشريعة والفطرة في ذلك.

السابقالتالي
2 3 4 5 6