الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَٱنْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُكَذِّبِينَ } * { هَـٰذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ } * { وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ } * { إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ ٱلْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ ٱلأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ ٱلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَآءَ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلظَّالِمِينَ } * { وَلِيُمَحِّصَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ ٱلْكَافِرِينَ }

هذه الآيات وما بعدها في قصة أُحد وما فيها من السنن الاجتماعية والحكم والأحكام فهي متصلة بقوله عز وجل:وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ } [آل عمران: 121] إلخ الآيات التي تقدمت وذكرنا حكمة النهي عن الربا والأمر بالمسارعة إلى المغفرة ووصف المتقين في سياق الكلام على هذه القصة. وقال الإمام الرازي في بيان وجه الاتصال: " إن الله تعالى لما وعد على الطاعة والتوبة من المعصية الغفران والجنات أتبعه بذكر ما يحملهم على فعل الطاعة وعلى التوبة من المعصية، وهو تأمل أحوال القرون الخالية من المطيعين والعاصين " وإنما هذا الذي قاله بيان لاتصال الآية الأولى من هذه الآيات بما قبلها مباشرة مع صرف النظر عن السياق والاتصال بين مجموع الآيات السابقة واللاحقة.

ذكر في الآيات السابقة خبر وقعة " أُحد " وأهم ما وقع فيها مع التذكير بوقعة بدر وما بشروا به في ذلك. وفي هذه الآيات وما بعدها يذكر السنن والحكم في ذلك ويعلم المؤمنين من علم الاجتماع ما لم يكونوا يعلمون، ولذلك افتتحها بقوله الحكيم: { قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ }.

قال الأستاذ الإمام: إن بعض المفسرين يجعل الآيتين الأوليين من هذه الآيات تمهيداً لما بعدهما من النهي عن الوهن والحزن وما يتبع ذلك وعلى هذا جرى (الجلال) كأنه يقول: إن هذا الذي وقع لا يصح أن يضعف عزائمكم فإن السنن التي قد خلت من قبلكم تبين لكم كيف كانت مصارعة الحق للباطل وكيف ابتلي أهل الحق أحياناً بالخوف والجوع والانكسار في الحرب ثم كانت العاقبة لهم، فانظروا كيف كانت عاقبة المكذبين للرسل المقاومين لهم، فإنهم كانوا هم المخذولين المغلوبين، وكان جند الله هم المنصورين الغالبين، وإذا كان الأمر كذلك فلا تهنوا ولا تحزنوا لما أصابكم في أُحد.

ثم قال ما مثاله مع إيضاح وزيادة: هذا رأي ضعيف فإن ذكر السنن بعد آيات متعددة، في موضوعات مختلفة تفيد معاني كثيرة، فإن الله تعالى نهى المؤمنين عن اتخاذ بطانة من الأعداء الذين بدت لهم بغضاؤهم وبين هو لهم مجامع خبثهم وكيدهم، ثم ذكر النبي والمؤمنين بوقعة أُحد وما كان فيها بالإجمال، وذكرهم بنصره لهم ببدر، ثم ذكر المتقين وأوصافهم وما وعدوا به، ثم ذكر بعد ذلك كله مضي السنن في الأمم وأنه بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين، فذكر السنن بعد ذلك كله يفيد معاني كثيرة تحتاج إلى شرح طويل جداً لا معنى واحداً كما قيل. وإن في القرآن من إفادة المباني القليلة للمعاني الكثيرة بمعونة السياق والأسلوب ما لا يخطر في بال أحد من كتاب البشر وعلمائهم، ومثل هذا مما تجب العناية ببيانه.

يقول الشيخ عبد القاهر في دلائل الإعجاز: إن كون القرآن معجزاً ببلاغته يوجب علينا أن نجعل أسلوبه الذي كان معجزاً به فنا ليبقى دالاً على وجه إعجازه.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد